تلتئم يوم غدٍ الجمعة قمة بين الرئيسين البشير وسلفا كير بالعاصمة الإثيوبية أديس أبابا، بعد وساطة هايلي مريام ديسالين، رئيس الوزراء الإثيوبي الجديد الذي استهل نشاطه الإقليمي والدولي بجولة قادته إلى الخرطوم وجوبا، طرح فيها مبادرة لتجاوز القضايا الخلافية بين السودان ودولة جنوب السودان، على خلفية اتفاق التعاون المشترك بين البلدين الموقع في 27سبتمبر من العام المنصرم. هذه القمة التي تسبق اجتماعات الاتحاد الإفريقي على مستوى الرؤساء، كان المقرر لها منتصف الشهر الجاري لتكون على هامش قمة الرؤساء والقادة الأفارقة، ويبدو أن تقديمها على ذلك الموعد، له ارتباط مباشر بما يجري في أروقة الاتحاد الإفريقي وقرارات مجلس السلم والأمن الإفريقي الذي قال في بيانه عقب اجتماعاته الأخيرة في ديسمبر الماضي، إنه رفع قضية أبيي والقضايا المختلف عليها بين السودان وجنوب السودان لقمة الرؤساء للنظر في كيفية المساهمة والمساعدة على حلها ومدد المهلة التي وضعت للتوصل لحل نهائي في منطقة أبيي وسط تباين المواقف حول مقترح الرئيس الجنوب إفريقي السابق ثامبو أمبيكي. ولم تفلح جولات من المباحثات الثنائية بين الخرطوم وجوبا، في العاصمتين ولا انتقالها لأديس أبابا، في تحقيق تقدُّم ملموس في قضية الترتيبات الأمنية والحدود وملف النفط وغيره من القضايا المختلف حولها.. ورفعت كل الملفات التي لم تحسم لقمة الرئيسين البشير وسلفا كير، كسقف أخير لحلها وإنهاء تأزماتها. لكن... يتوجب قبل أن يلتقي الرئيسان في القمة يوم غدٍ الجمعة وتستمر لمدة يومين، أن تكون هناك مؤشرات إيجابية تضمن نجاحها، ويبدو أن ذلك قد حدث بالفعل، فالرئيس البشير أعلن من الدمازين في احتفالات البلاد بعيد الاستقلال وافتتاح تعلية سد الروصيرص، رغبة واستعداد السودان لإقامة علاقات تعاون وجوار طيِّب مع الجنوب، مقابل ذلك أعلن السيد سلفا كير رئيس دولة الجنوب عن سحب قوات بلده عن المناطق الحدودية. كلا التصريحات والأحاديث هنا وهناك توفر أرضية جيدة لتباحث بنّاء إذا توفرت الإرادة وصدقت النوايا، بيد أن الملفات التي يراد بحثها تحتاج بالفعل لحديث صريح وجاد وفعل قاطع حتى لا تخرج القمة خالية الوفاض. فقضية الترتيبات الأمنية وفي مقدمتها فك الارتباط بين دولة الجنوب وجيشها مع قطاع الشمال بالحركة الشعبية وهو فصيل مسلح عميل لجوبا، والفرقتان التاسعة والعاشرة من الجيش الشعبي ووقف الدعم والامتناع النهائي عن مساندة ما يسمى بالجبهة الثورية والحركات المتمردة في دارفور، والانسحاب من المناطق الحدودية السودانية التي توجد فيها قوات دولة الجنوب وعملاؤها،،، هي جملة نقاط الخلاف حول هذا الملف، فحسمه والاتفاق حوله والالتزام بتنفيذ تعهداته السابقة واللاحقة، سيفتح الطريق أمام معاودة ضخ البترول عبر الأراضي السودانية وطي الملف النفطي.. كما يقود تلقائياً إلى تنفيذ كثير من اتفاقيات التعاون التي وقعت من قبل. وليس بخافٍ على أحد، أن الأوضاع الاقتصادية والأمنية والسياسية في الجنوب على شفير الهاوية، فالمرتبات لم تصرف بعد في كل أجهزة ومؤسسات الدولة والغلاء الطاحن وارتفاع أسعار السلع والمواد الضرورية، وتعاني حكومة دولة الجنوب من وضع ضاغط لا تستطيع معه الإيفاء بمسؤولياتها لمواطنها الذي سئم هذه الحلقة المفرغة من الدوران الفراغي في اللاشيء. أما قضية أبيي فهي أكثر النقاط سخونة في الخلاف بين البلدين، فحكومة السودان رفضت مقترح الآلية الإفريقية رفيعة المستوى الذي تقدّم به ثامبو أمبيكي الذي يقضي بعدم مشاركة المسيرية في الاستفتاء حول تبعية المنطقة المزمع إجراؤه في أكتوبر من العام الحالي، وأبدت بوضوح أسباب تحفظاتها أولاً ثم أردفت رفضها له، وسيحاول الرئيسان التوصل لحل ما يقارب بين الموقفين لكنه في تقديرنا لن يكون نهائياً نظراً لتباعد الرؤيتين والرغبتين هنا في الخرطوم وجوبا وما يحيط بهاتين الرؤيتين من ظلال وتأثيرات.. فإذا لم تفلح القمة بين البشير وسلفا في لجم تداعي الخلافات وانزلاقها نحو هاوية المواجهة والحرب، فإن مستقبل الوضع في البلدين والإقليم كله سيكون على كف عفريت.