عشية لقاء البشير بسلفا كير تملأ حكومة الجنوب الفضائيات ضجيجاً وزعيقاً بأن الجيش السوداني اعتدى على الجنوب في تطاول وقلَّة حياء تفقع المرارة وتفْري الكبد... يتّهموننا وهم الذين تحتلُّ قواتُهم وعملاؤهم أرضَ السُّودان وذلك عملاً بنصيحة قديمة تقول (الهجومُ خيرُ وسيلةٍ للدفاع) أمَّا نحن فقد ظللنا صامتين لا نشكو ولا نهاجم مهما فعلوا بنا بالرغم من أنَّ السودان بات يحتلُّ موقعاً دائماً في مجلس الأمن ليس كعضو في نادي الأقوياء الذين يحكمون العالم إنما موقع المتهم على الدوام والذي يجتمع الكبار دائمو العضوية وحتى الصغار من الطارئين على عضويَّة مجلس الأمن لينظروا في مخالفاته ومشكلاته ليوبِّخوه ويقرِّعوه ويُصدروا قرارات الإدانة الأمريكية ويُحْكموا حصارَه. لستُ متفائلاً من هذا اللقاء وكيف لي أن اتفاءل من لقاء الرئيسين وقد التَقَيَا مراراً وتكراراً بل ما وُضعت الاتفاقيات التي يُفْتَرض أن يُناقَش إنفاذُها في لقاء الرئيسَين في أديس أبابا إلا في حضورهما الذي وجد اهتماماً كبيراً على المستويَيْن الداخلي والخارجي ولكن متى كانت حكومة الجنوب تعرف معنى العهود والوعود والاتفاقيات؟! معلوم أن سلفا كير وباقان حاولا أن يبرِّرا لجماهيرهما الغاضبة ولبرلمانهما توقيع الاتفاقيات من خلال حجَّة الضائقة الاقتصادية الطاحنة التي يعاني منها الجنوب جرّاء الحصار المضروب من السودان على السلع ووقف تصدير البترول الجنوبي عبر الشمال وكان الرجلان يلجآن إلى الخداع لتخفيف الضغط عن الجنوب معوِّلين على (طيبة) الحكومة السودانيَّة التي يعلمانها علمَ اليقين من خلال مسيرة التدليل التي ظلَّ الشمال يُغدِقها على الجنوب منذ فجْر الاستقلال ولم تخيِّب الحكومةُ ظنَّ سلفا كير وباقان فما إن وُضعت الاتفاقيات حتى هلَّلت لها الحكومة السودانيَّة وكبَّرت ونصبت سرادق الاحتفالات التي امتدَّت من مطار الخرطوم إلى جميع ولايات السودان وكان الجميع يتبارَون في إظهار درجة الفرح وكانت تلفزيونات السودان تنقل تلك الأفراح وتصوِّرُ الأمر كما لو كان السودان قد نال الفِرْدَوْس الأعلى أما في جوبا فقد اختلف الأمر تماماً بل إن إبداء الفرح العارم في السودان زاد من شكوك شعب الجنوب وحكومته التي ما كانت تحتاج إلى ما يزيدُها توجُّساً وشكاً وخِيفةً من أنَّ السودان قد خدعها الأمر الذي جعل الجنوب يضجُّ بالتظاهرات والاحتجاجات ووجد عرمان ضالَّته فزاد الطين بِلَّة وبلغت به الجُرأة أن يعقد مؤتمراً صحفيّاً في جوبا يُبدي فيه اعتراضَه على الاتفاق وبالطبع تم ذلك بعد التشاور مع الشيطان باقان الذي كان يُضمر شيئاً آخر ويتأبَّط شَرّاً. أمَّا الخرطوم فقد بادرت باقتحام مقر الثائر على حكم الحركة الشعبيَّة جيمس قاي بالخرطوم واعتقلته وصدر الأمرُ بإلغاء سياسة (shoot to kill) التي كان الأستاذ علي عثمان محمد طه قد أعلن بها الحرب على من يُهرِّب أوقية ذُرَة إلى الجنوب وتَدَفَّقَت المواد نحو الشعب الجائع وحقَّق باقان ما أراد بينما لم يَجْنِ السودان غير الحَصْرَم ولم يعد حتى بخُفّي حنين!! منذ أن وقَّعت الاتفاقيات التي حَقَّقت بها بعضَ ما أرادت ظلَّت حكومة الجنوب وجيشُها الشعبي تدعم الفرقتين التاسعة والعاشرة من الجيش الشعبي بجنوب كردفان والنيل الأزرق وتُحيك المؤامرات وتحرِّك ثابو أمبيكي وحلفاءها الأفارقة من خلال مجلس السلم والأمن الإفريقي والاتحاد الإفريقي بل ودول الإيقاد لتكثيف الضغط على الحكومة السودانية حول أبيي التي ابتدع لها ثابو أمبيكي حلاً جنوبياً ظالماً للمسيرية وحول قطاع الشمال الذي أرادوا أن يُوجدوا له موطئ قدم في مائدة التفاوض كما كثفوا الضغط لزحزحة الحكومة من موقفها حول أولويَّة الترتيبات الأمنيَّة وذلك حتى يظل الجيش الشعبي وعملاؤه مقيمين في الولايتين المأزومتين في إطار استمرار مسيرة مشروع السودان الجديد العنصري الاستعماري الاحتلالي. تصاعد الدولار والغلاء في السودان وكان باقان وسفارتُه في الخرطوم يرقبان تحركات المعارضة المتحالفة مع الجنوب في الخرطوم والتي كانت تستغل كل شيء بما في ذلك أزمة طلاب دارفور في جامعة الجزيرة ونشطت الخلايا النائمة من طلاب وأتباع عبد الواحد محمد نور وغيرِهِ كما تحركت بعضُ قوات الجبهة الثورية وحاولت إحداث بعض الزعزعة في بعض أطراف كردفان ودارفور وجاء باقان بنفسه ليشهد تلك التطوُّرات ثم وزير دفاعه وظلَّت محاولات كسب الوقت تسير على قدم وساق بغرض إسقاط حكومة الخرطوم في إطار مشروع الحركة وحكومة الجنوب الاحتلالي. في هذه الأثناء ثم ترتيب اللقاء بين البشير وسلفا كير وإذا كان الجنوب يعوِّل على تدهور الأوضاع الاقتصاديَّة وما يُمكن أن يُحْدَثَه من تأثير يُضعف الموقف التفاوضي للحكومة السودانيَّة فإنَّ سدّ الروصيرص جاء ليرفع من المعنويات الهابطة في السودان جرّاء الأزمة الاقتصاديَّة الطاحنة. أخي الرئيس اركز ولا تتزحزح قيد أنملة لأن الحركة الشعبية تُقيم في بيت عنكبوت لا يحتاج إلى كثيرٍ لكي يُقتلع من جذوره وعندها سَيَتَهَاوى قطاعُ الشمال العميل وسيخرُّ السقفُ من فوق الجبهة الثوريَّة وبقيَّة العملاء فمتى تُغيِّرون إستراتيجيتكم ومتى تطعنون الفيل في جوبا بدلاً من الظل في كاودا مستغلِّين التناقُضات الكبرى التي تُمسك بخناق الجنوب الذي يشتعلُ فيه الصراع العِرقي والقَبَلي وتتزايد الثورة على دولة الدينكا الظالمة في جنوب السودان؟! --- الرجاء إرسال التعليقات علي البريد الإلكتروني عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.