وزحام اتفاقية أديس .. وهديرها كله.. ما يوجزه هو جملة من كلمتين : إبعاد باقان؟!! ولعلك تنتبه الآن في دهشة إلى غياب باقان.. عن المشهد كله.. وفجأة.. وباقان ما يبعده هو ذكاء البشير وذكاء سلفا كير.. وغباء باقان فالحسابات كانت على أصابع سلفا كير والخرطوم تجد أن من يقود الانفصال هو باقان. ومن يقود إغلاق أنبوب النفط هو باقان ومن يجعل حجراً في حلقوم المفاوضات كل صباح هو باقان وانفصال الجنوب يجعل الجنوب نوعاً من جهنم.. والمواطن ينظر ويجد باقان هناك .. وسلفا كير يحسب. وإغلاق أنبوب النفط يجعل الجنوب يعيش احتضاراً .. له رائحة.. والمواطن ينظر ويجد باقان هناك وسلفا يحسب. وخنق كل أمل في المحادثات والانفراج كان المواطن ينظر إليه ويجد خلفه باقان وسلفا كير يجد أن الوليمة تكتمل.. و.. يهبط على الكرسي.. ويقوم بالتوقيع وسلفا كير يجد في الجنوب ما لقيه البشير في الخرطوم. وباقان يطير. «2» واتفاق بين الجهتين أو لقاء على ناصية طريق المصالح يجعل البشير وسلفا كير يشتركان في مخطط الإبعاد هذا. فالرئيس كل رئيس.. يلحق بالمحادثات عادة بعد أن يكتمل كل حرف فيها.. وينحني للتوقيع. لكن البشير وسلفا كير كلاهما ينغمس في المحادثات ذاتها.. والانغماس هذا يصبح رسالة تقول لكل الجهات إن المحادثات هذه تبدأ بعد «كنس» ما كان يسكبه باقان.. والخرطوم وجوبا تلتقيان في كنس آخر. فأبيي هي من صنع باقان. وأبيي تُبعد. ومعضلات الأمن «المناطق الخمس «14ميل» وانسحاب الجيش» كلها يكتمل الاتفاق عليها وكلها من صنع باقان. وما يبقى لباقان ولقطاع الشمال هو «الحركات المسلحة.. والفرقتان التاسعة والعاشرة» والاتفاق يذهب إلى قطع الدعم عن التمرد وإلى تفكيك الفرقتين «جيش الشمال». وذكاء أو مصادفة غريبة تجعل كلاً من البشير وسفا كير يستعين بنصف العدو على العدو الكامل. فالجنوب هو : أولاد قرنق وبقيادة باقان يصنعون قطاع الشمال ومشكلة أبيي ومشكلة الحدود ونزاع المنطقتين. وأولاد قرنق يقودون عداء يوشك أن يطيح سلفا كير. وأول الشهر هذا نقص كيف أن قادة جيش الحركة يجتمعون ويرفعون اقتراحاً بتغيير اسم «الحركة الشعبية لتحرير السودان» باسم آخر.. باعتبار أن الجنوب حصل على استقلاله وانتهى الأمر.. وباقان يجعل الجيش يبتلع اقتراحه هذا.. في تأكيد جديد لقيادته هو للجنوب وسلفا كير ومنذ زيارة يقوم بها إلى موسفيني يجد أنه يصبح قائداً من الدرجة الثانية.. ومرشحاً للاختفاء.. ونحدث من قبل عن هذا. ولعل استخبارات سلفا كير هي التي كانت تقوم بالعزف الموسيقي الممتاز لعرمان وباقان وهما يرقصان حتى الجنون في المرة الأخيرة ثم كلاهما يكسر عنقه.. ومخابرات سلفا أو مخابرات جهة أخرى حين تجد أن شعب الجنوب يعجز عن فهم تعقيد المفاوضات .. ويعجز عن فهم أن باقان يقتله.. عندها.. المخابرات تظل تعيد وتكرر جملة وحيدة عن المحادثات وهي باقان يربط إعادة النفط بحل قضية الحدود المستحيلة. والمواطن الجنوبي الجائع ينظر إلى باقان بعيون ضيقة.. وسلفا يضرب ضربته. مثلها كانت إشارات صغيرة.. والصحف تحمل أن كمال عبيد يرفض مصافحة عرمان. والوفد السوداني يرفض لقاء الحلو وعقار ما داموا ضباطاً في جيش الجنوب و... و... الأمر كان دعوة إلى سلفا كير.. تقول إن الأمر تحصره الخرطوم في يده هو والأمر يمتد إلى ما وراء ذلك. يمتد إلى «جذور» باقان. فالسيد باقان عدو للشمال يعمل لصالح جهات أجنبية في مشروعها لتفكيك السودان. وسلفا كير عدو للشمال يعمل لصالح جهات تعمل لتفكيك السودان والجهات هذه أنها تشري من هو «أقوى» «3» واتفاقية أديس أبابا الخميس ما تفعله هو أنها تستبدل عدوًا بعدو من درجة أخرى.. أقل.. لكن.. الاتفاقية قريباً ما تجد نفسها أمام العدو الأخطر الناس هنا وبلغة الأدب إحسان عبد القدوس عنده رواية اسمها «لا أستطيع أن أفكر وأنا أرقص» والراقصون يجلسون غداً لقراءة بنود الاتفاقية عن المال والسنوات الثلاث وأبيي و... و... عندها ينتقل العريس من ليلة الفرح إلى ليالي حمى الأطفال وإسهال التسنين. .. والاتفاقية.. وبلغة الأدب «تضرب الذكر صفحاً» عما يسمى الحقوق الأربعة ومجالس الخرطوم تقول إن : الجنوب هو الذي اختار الانفصال فلماذا يتوسل الآن مجنوناً للعودة إلى السكن والتجارة وغيرها. قالوا إن هناك شيئًا وهناك مشروع باقان به أو بدونه وهناك أسلحة تتدفق إلى الخرطوم وهناك قوائم ننشر بعضها ونحتفظ ببعض.. وهناك معنى «للحقوق الأربعة هذه». غير ما يبدو والاتفاقية .. وبلغة الأدب تذهب إلى بطلة رواية الأرض الطيبة «بيرل باك» وهناك بطلة الرواية «البوذية» حين تهم بجريمة الفاحشة تلتفت إلى صنم بوذا وتجعل فوق وجهه قطعة قماش والناس في كل مكان يشرعون الآن في نزع القماش هذا. ونرقص.. فلا صحو اليوم ولا سكر غداً..