معلومٌ بأن السودان يزخر بثروات طائلة، لم يقف دون استغلالها سوى تبلد الأنظمة السياسية السابقة، وإنشغالها بالصراعات فيما بين مكوناتها التي تمثل فيها المطامح الشخصية، والنزعات السلطوية جانباً كان هوالمعيق الأكبر على طريق التطور والنماء. ولو كان الذين تولوا أمر هذه البلاد منذ الاستقلال وعبر السنوات السبع والخمسين على درجة من الهِمَّة والمسؤولية، لما ظلت تعاني من شح الموارد برغم الكنوز المطمورة، ولما بقيت تحت وطأة الدين وهي غنية برجالها ومكنونات أرضها، واتساع مساحتها، ولما احتاج أهلها للخبز وتحت أقدامهم تجري المياه، وتحيط بأرجائها الأشجار، التي لم يسقها ساق، بل كان ارتواؤها من غيث منهمرٍ، وما تجود به السماء. والبشريات التي أفصح عنها الدكتور عوض الجاز لا تساوي شروى نقير مقارنة بالذي يعلمه الاقتصاديون والعالمون بما يتمتع به السودان من ثروات ولحسن الحظ لم يعد العلم حكراً على شركات تأتي من وراء البحار، ولا المعلومات سراً مخبوءاً تحت ألسنة الخبراء الغربيين والأمريكان. وقد لا أكشف سراً عندما أقول بأن النتائج الأولية لاكتشافات النفط بالحقول الشمالية قد أظهرت أن مربعاً في أقصى شمال البلاد قد حفرت به أربع آبار وصل فيها الإنتاج إلى خمسة آلاف برميل من النفط ذي الجودة العالية وهو مؤشر لوجود مليارات براميل النفط في ذلك المربع الواعد، ولكن بسبب عدم وجود بنيات تحتية من خطوط أنابيب ومحطات معالجة وطرق، فإن استغلال تلك النعمة، يستوجب صبراً قد لا يمتد لزمن طويل. كذلك غنيٌ عن القول بأن الحقول التي انتجت وتم افتتاحها بإنتاج إبتدائي «6» آلاف برميل ثم «10» ألف برميل على التوالي وبرأس مال متواضع هي كذلك ستخضع للتطوير ليصل الإنتاج في نهاية المطاف إلى مئات الآلاف وأحسب أن الدكتور عوض الجاز لم يسرف في الأمل للإعلان عن ذلك بحسبان أنَّ لكل أجل كتابًا. وكنت قد قابلت المدير العام الصيني لشركة بترودار بمطار دبي الدولي في بدايات العام 2003 وهو «مستر صن» الذي دار بيني وبينه حديث حول احتياطات النفط بمنطقة أعالي النيل والإنتاج الذي بدأوا به فقال لي بالحرف الواحد بأن الإنتاج الأولي لا يتجاوز 30 ألف برميل ولكن يقتضي الأمر العمل في تطوير الحقول وهي ذات الحقول التي تنتج اليوم لدولة جنوب السودان ما يقارب ال300 ألف برميل وهم لا يعلمون أننا نحن الذين طوَّرنا ذلك الإنتاج وهو قبل ذلك كان إنتاجاً محدوداً، وما كان أحد يتوقع أن يصل إلى تلك الذروة ويصبح سبباً للبطر من قبل دولة جنوب السودان، لتحاربنا به بتجاسر ظناً منهم بأننا سنسقط على الأرض أذلاء وصاغرين. ومن البشريات التي لم يذكرها الدكتور عوض الجاز بسبب أنها ليست من اختصاصه وهي ما يتصل بالنهضة الزراعية الموعودة. فوادي المقدَّم حسب التقديرات تبلغ مساحته ملايين الأفدنة التي تصلح لمعظم الغلال النقدية والغذائية وهو مشروع لا يتطلب سوى الجهد اليسير وهو جهد المقل إذا قورن بما أُنجز من سدود واكتشافات نفطية وطرق مسفلتة ووفرة في إنتاج الكهرباء. أما عن صناعة السكر فالأرقام تتحدث ولا ينبئ بها مثل خبير، هو محمد المرضي التجاني وتلك البشريات ليست أماني وإنما هي حقائق تسير على الأرض ولا تحتاج إلا لرجال يُعملون عقولهم، ويستيقظون بعد السبات العميق الذي دام لأكثر من خمسين عاماً تلت إعلان الاستقلال. والبشريات لشعبنا تترى وما عليهم إلا بالصبر الجميل.