قال تقرير نشره موقع «أوول أفركان دوت كوم» بعنوان: «أحجية الصين ونفط السودان» أن النفط في الجنوب نقمة أكثر منه نعمة، ففي الوقت الذي انتظر فيه العالم أن يوحد النفط بين قادة الحرب الجنوبيين العنيدين ويوحِّد جيش المتمردين في جيش قومي واحد حوّل النفط الدولة الجديدة إلى مستنقع احتراب بين قادة متمردين سابقين يسعون للجلوس على كرسي السلطة فضلاً عن أن عائدات النفط السريعة وضعف المراقبة التي جعلت عائدات النفط فريسة سهلة المنال، إضافة إلى أن النزاع بين جوباوالخرطوم حول تقاسم عائداته والذي أفضى إلى إغلاق أنبوب النفط دافعاً اقتصاد الدولتين نحو الهاوية ليشكل اختباراً حقيقياً لدعم الحكومات والمستثمرين للدولة الوليدة، ويمضي التقرير قائلاً:« بالرغم من الاتفاقية الموقعة بين جوباوالخرطوم والتي اتفق فيها الجانبان ضمن حزمة من الاتفاقات على استئناف ضخ النفط إلا أن هناك أسئلة ما تزال تحتاج إلى إجابة، مثل: كيف ستدير دولة الجنوب ملف البترول في المستقبل وما هو شكل علاقتها مع السودان والصين كون الأخيرة الحليف الإستراتيجي في إدارة نفط السودانيين وهو الأمر الذي تنظر إليه بكين بكثير من القلق. الطلاق المر: ويمضي التقرير قائلاً :«بالنظر إلى خريطة السودان الموحد فإنك تجد وكأنما يد الطبيعة قد صممت البنية الجغرافية لتكون مصدر إلهام للصراع حيث يقع معظم إنتاج الخام على الحدود التي وضعها المستعمر لتكون حدًا فاصلاً بين الشمال والجنوب، الأمر الذي أدى إلى اندلاع الكثير من الحروب الأهلية بين الرعاة وشبه الرحل على تلك المناطق التي أصبحت بعد الانفصال مناطق حدودية متنازعاً عليها تتمتع بحكم شبه ذاتي، وبعد الانفصال أصبح لزاماً على الجنوب استخدام بنية السودان التحتية لتصدير النفط، فيما يحتاج السودان إلى رسوم العبور وغيرها من المدفوعات لتعويض خساره النفط ولما كانت كلا الدولتين تعتمد على النفط فإن ذلك شكّل كرت ضغط قوي لكليهما للحصول على أفضل صفقة أثناء المفاوضات، ويصف وزير النفط لحكومة جوبا إستيفن ديو قرار جوبا بإغلاق أنابيب النفط قائلاً اجتمع مجلس وزراء دولة الجنوب في جوبا في 20 يناير حول قرار الخرطوم الذي علقت فيه تحويل عائدات النفط إلى جوبا ولما لم يكن هناك اتفاق وشيك قرر المجلس بالإجماع إغلاق آبار النفط دون النظر إلى عواقبه، وقال قرنق دينق الذي كان يدير وزارة الطاقة قبل الانفصال كان هناك انجراف عاطفي هائل وكان الناس يتحدثون بلغة الغضب حيث لم تكن هناك مناظرة بين فكرتين ولم يحذر أحد من خطورة الخطوة التي ألغت «98%» من موازنة الدولة وأغلقت مصدر البلاد الوحيد للعملات الصعبة بين عشية وضحاها وقال أحد المسؤولين في شركة بيترودار أن قرار الإغلاق جاء في غضون عشرة أيام دون الأخذ بعين الاعتبار الآثار المدمرة لبقايا النفط في الأنابيب، الأمر الذي أدى إلى إتلافها، فيما أكد دبلوماسيون غربيون عدم استشارة جوبا لحكومات الولاياتالمتحدة وإنجلترا والنرويج بوصفها أكبر الدول المانحة التي تقدّم المشورة لجوبا فيما يخص النفط وقال تيشانق تشي شينق مستشار السفارة الصينية في جوبا ضاحكاً إن جوبا لم تخطر الحكومة الصينية بوصفها المتضرر الرئيسي من القرار، مضيفاً: لقد كنت بالمنزل لقضاء الإجازة حينما سمعت بالقرار ولو علمت به مسبقاً لما غادرت السفارة. ويقول مواطنو ولاية الوحدة أكبر ولايات الجنوب إنتاجاً للنفط إن النفط جاء بالحرب والفقر بدلاً من الرخاء والسلام إذ لا يزال الناس هناك يعانون ويلات الفقر والتخلُّف ويعيشون فراغاً لا يسمعون فيه سوى أزيز سيارات اللاندكروزر التابعة للأمم المتحدة وهدير طائرات الأنتنوف حيث يتحلّق الشباب والرجال العاطلون عن العمل في المقاهي تهاجمهم جيوش الذباب التي تعسكر بمدينة بانتيو. عقدة السيادة: ويمضي التقرير قائلاً:«وبعد أسابيع قليلة من إعلان جوبا إغلاق أنبوب النفط قامت بطرد مدير شركة بترودار على خلفية اتهام الشركة بمساعدة الخرطوم في سرقة نفط دولة الجنوب، الأمر الذي نفته الشركة التي قالت إنها تفتخر بسلوكها الأخلاقي وشفافيتها في إدارة ملف النفط. ووصفت الحادثة بالدعوة إلى الإنتباهة من تصرفات جوبا غير المحسوبة والمتوقعة قائلة كانت الحادثة بمثابة دعوة للاستيقاظ خاصة وأن ردود الأفعال المرتبكة التي تلتها كشفت عن انقسامات كبيرة بين قادة دولة الجنوب حول إدارة ملف العلاقات مع بكينوالخرطوم وبخاصة من أولئك الذين يعانون عقدة السيادة، ويقول بول دينق الرئيس التنفيذي للشركة بدولة الجنوب جاء طرد مدير الشركة جزءًا من معركة مكلفة ولكنها ضرورية للسيادة بينما وصف برنابا ماريل وزير الإعلام بدولة الجنوب القرار بالمبالغ فيه قائلاً: كان من الممكن المطالبة بتغييره من قبل إدارة الشركة. الخصوم الشركاء: ويقول التقرير إن جوبا ربما أرادت أن تلفت نظر الصين إليها بعد أن تجاهلتها الأولى كثيرًا إبان فترة السودان الموحد لتقول جهرًا إن معظم النفط يقع في دولة الجنوب وهي صاحبة السيادة عليه إلا أن موقف الحكومات الغربية السالب تجاه الخرطوم عقب إيقاف النفط أجبرها على تليين موقفها تجاه الصين بعد أن بلغ التضخم «80%» وفقد الجنيه الجنوبي ثلثي قيمته وأصبحت مشاريع البنية التحتية قيد الانتظار، ويقول المحللون السياسيون والدبلوماسيون الغربيون إن المسؤولين الجنوبيين كانوا من السذاجة بحال أسرفوا في توقع الدعم الذي تقدمه الحكومات الغربية لهم خاصة فيما يتعلق ببناء خط أنابيب جديد عابر لكينيا وهو ما يراه الحليف الغربي مشروعاً خاسراً بسبب تراجع احتياطات النفط ووعورة الطرق وانعدام الأمن وخروج دولة الجنوب من دائرة الاستكشافات النفطية الجديدة طيلة العقد القادم.