إن كردفان الكبرى شاسعة واسعة مترامية الأطراف وممتدة المسافات وعاصمتها كما هو معروف هي مدينة الأبيض وكانت تعتبر سرة السودان بوضعه الجغرافي السابق قبل الانفصال لوقوعها في وسط القطر تقريباً أي أنها مدينة وسطية من الناحية الجهوية الجغرافية وهي من حيث الملامح العامة والتركيبة السكانية تماثل كوستيوود مدني ومدن العاصمة الثلاث وعلى سبيل المثال فإن المسافة بينها وبين الفاشر عاصمة دارفور الكبرى تساوي تقريباً ثلاثة أضعاف المسافة بين الأبيض وود مدني. وإن المواصلات في كل أرجاء القطر كانت شاقة ولذلك تبدو المسافات متباعدة بين الأقاليم المختلفة وبين المركز والأطراف الأخرى في الشرق والغرب والشمال والوسط. وإن الطريق بين الخرطوم ودنقلا مثلاً كانت تقطعه اللواري في أكثر من يوم كامل وتتخلله أماكن وعرة وكان الركاب يكابدون ويعانون الأمرين حتى يصلوا وينسحب هذا على مختلف مناطق السودان وحتى الجزيرة المجاورة للعاصمة كان المجيء منها للخرطوم قبل عقود خلت من الزمان يعتبر سفراً وربما يخبر الشخص أهله ليلاً بأنه ذاهب إليها في صباح اليوم التالي. وكانت المسافة بين الخرطوم والأبيض تستغرق يوماً ونصف أي حوالى ست وثلاثين ساعة بالقطار ولذلك كتب الأستاذ محمد المكي إبراهيم قصيدته قطار الغرب أما الآن فقد أصبح الوصول إليها سهلاً ميسوراً ولا تزيد المدة على بضع ساعات. وإن لكردفان دورًا مفتاحيًا في الثورة المهدية إذ شهدت بعض انتصاراتها الحاسمة مثل معركة شيكان الشهيرة وحصار الأبيض واستعادتها والسيطرة عليها قبل التوجه للخرطوم وتحريرها. وإن الإمام المهدي أعلن دعوته في مرحلتها السرية بطيبة الشيخ القرشي وأعلنها جهراً في الجزيرة أبا حيث كان هناك أول انتصاراته العسكرية واتجه بعد ذلك لجبل قدير بكردفان حيث وجد سند وعضد وتأييد ودعم وحماية المك آدم أم دبالو أحد مظاليم التاريخ إذ لم يجد الاحتفاء والتقدير اللائق به وهو الذي لعب دوراً هاماً لا ينكره إلا مكابر. ويعتمد سكان كردفان في كسب عيشهم على الزراعة والرعي وفيهم بقارة وأبالة وغنامة لهم ثروة حيوانية هائلة. وكانت الأبيض تعتبر أكبر أسواق الصمغ العربي في العالم ويزرع وينتج المزارعون الدخن والذرة والكركدي والبطيخ والسمسم والقطن المطري قصير التيلة بجبال النوبة واشتهرت منطقة أبو جبيهة بإنتاج المنقة. وبجانب ذلك فإن في كردفان آبار بترول. وفي مجال التعليم اشتهرت في كردفان بعض قلاع العلم مثل مدرسة خور طقت الثانوية ومعهد التربية بالدلنج وفيها مدارس عريقة وذكر السيد خضر حمد عضو مجلس السيادة في الديمقراطية الثانية أنه تلقى تعليمه الأولي في مدينة الأبيض في العقد الثاني من القرن العشرين. وهناك مؤسسات تعليمية بكردفان كانت ذكراها عطرة مثل معهد النهود العلمي الذي عمل بالتدريس فيه بعض جهابذة العلماء من الشيوخ الأجلاء. وتضم كردفان بعض أبكار المتعلمين والرموز القومية في مختلف المجالات ومنهم عدد من أبكار المعلمين والأطباء والمهندسين والديبلوماسيين والاقتصاديين والعسكريين والقانونيين ومنهم من تولى رئاسة القضاء مثل مولانا محمد أحمد أبو رنات أول رئيس قضاء سوداني «وهو ابن عمدة النهود» ومنهم مولانا دفع الله الرضي نائب رئيس القضاء وعضو محكمة العدل الدولية بلاهاي ومنهم مولانا حافظ الشيخ الزاكي الذي كان أيضاً رئيساً للقضاء ومنهم من تولى منصب النائب العام ووزير العدل. وفي مجال الآداب والفنون والثقافة فقد شهدت الأبيض قيام أكبر مهرجان ثقافي في مطلع أربعينيات القرن الماضي وقد أمَّه عددٌ كبير من الخريجين والأدباء والشعراء والمستنيرين والمهتمين بالشأن الثقافي من شتى أرجاء القطر وأعقبه في العام التالي المهرجان الأدبي بمدينة ود مدني وكان لذينك المهرجانين تأثير بالغ في دفع الحراك الثقافي وإعلاء الحس الوطني. وفي مجال الفنون كانت توجد فرقة فنون كردفان وقبل أكثر من أربعين عاماً أي في مطلع السبعينيات استقر الرباعي الفني الكردفاني المعروف المكون من الأساتذة عبد القادر سالم وصديق عباس وعبد الرحمن عبد الله وموسى أبا بالعاصمة وظهروا بكثافة وتميزوا بفنهم في أجهزة الإعلام وحققوا انتشاراً واسعاً في وقت وجيز وسبقهم الموسيقار المعروف جمعة جابر ومن الشعراء الغنائيين الذين اشتهروا بكردفان الشاعر محمد عوض الكريم القرشي وكان يقيم بالأبيض أيضاً الشاعر الغنائي محمد علي عبد الله الأمي وكان يعمل بها الشاعر الغنائي سيد عبد العزيز والشاعر حميدة أبو عشر وعن بوادي كردفان كتب الأستاذ حسن نجيلة سِفْره القيم «ذكرياتي في البادية» وقد عمل معلماً في بادية الكبابيش لمدة أربعة أعوام في النصف الأول من ثلاثينيات القرن الماضي وكان الشاعر محمد سعيد العباسي كلفاً بتلك الديار وكان يزورها سنوياً وكتب الشاعر الناصر قريب الله قصيدته أم بادر التي تغنى بها الفنان عبد الكريم الكابلي. وهناك أيضاً أغنية شعبية ذائعة الصيت «دار أم بادر يا حليلها» وأنجبت كردفان من الأدباء والكتاب والمبدعين على سبيل المثال لا الحصر دكتور صالح آدم بيلو ودكتور تاج السر الحسن وشقيقه الشاعر القانوني الحسين الحسن «من أبناء النهود» وأنجبت الأستاذ محمد المكي إبراهيم ودكتور إسماعيل الحاج موسى ودكتور عبد الله جلاب والبروفيسور محمد عبد الله الريح ودكتور عمر شاع الدين والأستاذ عجب الفيا والبروفيسور عوض السيد الكرسني والأستاذ أحمد عبد الله آدم والأستاذ عبد الله محمد احمد والأستاذ أحمد علي بقادي والأستاذ وقيع الله حمودة شطة والأستاذ حسن الرضي والأستاذ عبد القادر حافظ والأستاذ خالد أحمد والأستاذ مكي سنادة والأستاذ فضيلي جماع والأستاذ جمال عنقرة والأستاذ يحيى فضل الله والأستاذ حماد فضل الله والأستاذ غبوش كندة والأستاذ محمد الأسباط والأستاذ محمد عمر التجاني «قشي» والأستاذ محمد الشيخ جمعة والفنان التشكيلي محمد حسين الفكي والأستاذة الروائية القاصة الرائدة ملكة الدار محمد والأستاذ أمير التلب والأستاذ محمود الجراح والأستاذ أحمد تاجر والدكتور أبو القاسم قور والأستاذ يوسف عبد المنان والأستاذ عادل البلالي والأستاذ سيف الدين عبد الحميد...الخ والقائمة طويلة من المبدعين والأدباء والصحفيين النابهين أما أبو الصحافة الإقليمية وصاحب امتياز ورئيس تحرير صحيفة كردفان الأستاذ الفاتح النور فهو بحاجة لسفر كامل لأياديه البيضاء التي أسداها للسودان عامة ولكردفان خاصة. وكان لجريدة كردفان ملتقى يضم صفوة المثقفين والأعيان المهتمين بالشأن العام. وكانت بين الشعراء والأدباء اخوانيات أذكر منها ابيات من القصيدة التي بعثها الشاعر خلف الله بابكر مفتش صحة كردفان لصديقه القاضي بالأبيض يومئذٍ السيد محمد أحمد محجوب وقد كان كلٌّ منهما في جولة ترتبط بعمله وبات المحجوب في إحدى الليالي بالخِوَي وأمضى الشاعر خلف الله ليلته بمدينة النهود. الناس مرقدها النهود وأنت مرقدك الخِوَي لو كنت تدري ما النهود لطويت الأرض طي وشهدت النهود قيام نادي السلام الثقافي الاجتماعي الرياضي بمبانيه الفخمة وقد تأسس في عام 1917م ويعتبر من أعرق الأندية بالسودان وكان يؤمه موظفو الحكومة والقضاة والمعلمون والتجار والأعيان والمستنيرون من كل الفئات. وكان بكردفان عدد من الذين برزوا قومياً في شتى المجالات ومنهم علماء وفقهاء ودعاة ومنهم من قادوا العمل الرياضي على المستوى القومي بل إن اثنين من رؤساء الدولة تنحدر جذورهما من كردفان وهما الرئيس الراحل إسماعيل الأزهري وهو من مواليد أم درمان ولكنه ينتمي للبديرية الدهمشية بالأبيض وتمتد جذورهم لدبة الفقراء بالشمالية وينطبق هذا أيضاً على الرئيس الأسبق المشير عبد الرحمن سوار الذهب. وعمل بكردفان إداريون متميزون منهم بريطانيون شغلوا بعد ذلك منصب السكرتير الإداري مثل نيوبولد وروبرتسون ومنهم الإداري ماكمايكل الذي كتب عن القبائل وأعد ونشر كتاباً بعنوان «قبائل شرق ووسط كردفان» وفي عام 1956م عين مدير مديرية كردفان السيد مكاوي سليمان أكرت وكيلاً لوزارة الداخلية وعميداً للخدمة المدنية وإن جل الإداريين المقتدرين عملوا بكردفان. وقد حاول البعض إعلان حركة تمرد بكردفان ولكنهم فشلوا وماتت وقبرت محاولتهم في مهدها قبل نقطة الصفر وحاولت حركة العدل والمساواة وغيرها من حركات التمرد خلق جيوب وفروع لها في كردفان وفشلوا ولكن بعض المحليات والوحدات القريبة من دارفور ظلت تلك الحركات المتمردة تأتي من دارفور وتشن عليها بين الفينة والأخرى حملات قتل ونهب وسلب وتخريب كما حدث في محلية غبيش وود بندة ويتطلب هذا تعزيز الأمن وحراسة تلك المناطق عسكرياً لصد تلك الهجمات الآثمة المباغتة. وفي جبال النوبة ما زالت توجد بعض جيوب التمرد وحدثني معلم فاضل كان يعمل بالمدارس الوسطى في تلك المناطق في الستينيات والسبعينيات أنه وبقية المعلمين كانوا يشاركون النوبة في أفراحهم وأتراحهم وكل مناسباتهم الإجتماعية ويحدث أن يذهب أحد المعلمين بمفرده ليلاً دون أن يحمل في يده عصا ويتجول من جبل لآخر وهو آمن مطمئن ووصف النوبة بأنهم مسالمون وعشرتهم طيبة والأمل أكيد أن تطوى صفحات التمرد وأن ينال النوبة حظهم في القيادة والسلطة والثروة في الوضع الجديد بعد محاولة إعادة ولاية غرب كردفان والتي أُذيبت وقُسِّمت بين ولايتي شمال كردفان وجنوب كردفان. وقد أعلن النائب الأول لرئيس الجمهورية في لقاء جماهيري مشهود أن السيد رئيس الجمهورية سيعلن إعادة ولاية غرب كردفان في أعياد الاستقلال ويبدو أن القرار قد اتُّخذ ولكنه لم يعلن حتى الآن لأن أخذاً ورداً أخذ يدور بين المركز ومكوِّنات الولاية ومهما يكن فإذا قامت ولاية واحدة كما كانت سابقاً أو حدثت متغيرات أخرى فإن الجميع يمكن أن يتوافقوا على اقتسام السلطة والثروة والخدمات والتنمية بعدالة دون أن تحس أي منطقة بأنها مغموطة الحق وأن يكون اعتلاء المواقع الدستورية وفقاً للقدرات الذاتية والمؤهلات بلا محاصصات قبلية وعلى سبيل المثال لا الحصر فإن الأمير عبد القادر منعم منصور أمير قبائل حمر هو برلماني متمرس مارس العمل البرلماني لأكثر من أربعين عاماً منذ مطلع سبعينيات القرن الماضي وإذا أُعيدت ولاية غرب كردفان وانتخب بالإجماع والوفاق رئيساً للمجلس التشريعي الولائي فليس في هذا الأمر عجب ويكون هذا قد تم بالتوافق على أساس الكفاءة والتجارب التراكمية لا المحاصصة القبلية وعلى ذلك قس. ومهما يكن فالأمل أن يكون الحوار موضوعياً وهادئاً بين المركز ومكونات الولاية والمهم هو أن يستتب الأمن وتنعم كال المحليات بقسمة عادلة في قسمة الموارد والتنمية والخدمات.