بالرغم من كل الإخفاقات التي عاشها السودان والتي يعيش بعضها الآن فإن المشهد السياسي يشير إلى بعض الأمل والتفاؤل بأن تستقيم حال السودان ويستقل في سيره ويقيم اعوجاج سياساته وسياسييه. إن أول هذه التباشير هو خروج عقار من النيل الأزرق والطريقة التي خرج بها والتي يشبهها أهل الرياضة بعبارة «خد وهات» هذه المرة بين البشير وسيلفا كير.. وذات الشيء ينطبق على جنوب كردفان.. وكلهم قطاع شمال.. إن الوعي بدأ يدب في أوصال الإنقاذ والمؤتمر الوطني وعوضًا من الملاينة والمهادنة وأحياناً المداهنة بدأت حقيقة جديدة من الملاسنة والمواجهة التي تتسم في جوهرها بالقطعيات. فخروج عقار من النيل الأزرق رغم ما يمكن أن يقال عنه ويروج من احتمال رجوعه إلا أن السيناريو يدل دلالة واضحة على أن خروجه كان نهائياً وفي اتجاه واحد وتسارع الأحداث من تعيين حاكم عسكري للنيل الأزرق وتعقب ذلك سريعاً تعيين والٍ مكلَّف له دلالات إيجابية. إن فتح الممرات الحدودية إن دل على بعض التفاهم بين الشمال والجنوب لكنه يحمل الإشارات القوية على أن خروج الحركة من السودان لن يكون إلا خروجاً نهائياً.. وحكاية قطاع الشمال لا تزيد على كونها «أحلام ظلوط» لذلك كان لابد لعرمان أن يبحث عمن يكفكف دمعه فذهب يشكو إلى أولياء نعمته. إن المحاولات اليائسة التي تقوم بها مجموعة قطاع الشمال وبمباركة ومؤازرة من باقان لا تدل إلا على شيء واحد وهو عدم النضج السياسي، إذ لم يبق من مخزون العلاقات بين أهل الشمال وأهل الجنوب إلا حسن الجوار وهو مخزون استراتيجي شمالي نرجو أن يقابله النزر اليسير منه من الجنوب الذي بنى علاقته مع الشمال طيلة نصف القرن الماضي على العداء والاستعداء فإذا كان عمرُ قد شبّ عن الطوق فقد آن لدينق أيضاً أن يشبّ عن الطوق. إن الذي يجري في النيل الأزرق وجنوب كردفان يؤذن بمثله في أبيي وفي دارفور وذلك لأن مركزية الدافع الجنوبي ليست في النيل الأزرق ولا جنوب كردفان ولا هي في أبيي ولا في دارفور.. ذلك أن الجنوب ليس له أدنى مصلحة في أيٍّ من هذه المناطق المشتعلة ولن يكون إلا مخلب قط إما لعقار والحلو وعرمان في النيل الأزرق أو للحلو وعرمان في جنوب كردفان ثم لأولاد دينق مجوك في أبيي وأخيراً لعبد الواحد وخليل ومن سايرهم في دارفور التي طاف على تمردها طائف من ثوار ليبيا فأوشك التمرد فيها أن يصبح كالصريم. وعلى الإنقاذ أن تصحو وتستيقظ وعليها ألا «تدقس» ولا تكبو فإن كبوات الإنقاذ بلقاء مشهورة فالإنقاذ على منبر الحكم وهو أعلى المنابر على الإطلاق. وإن أكبر كبوات الإنقاذ أن تتعامل مع قضايا المرحلة باستهانة واستخفاف «على أقل تقدير أن الإنقاذ «مؤمَّنة» وحكاية الريس ما نوريغا التي صدع بها الشاعر محمد عبد الحليم وغناها الشعب كله معه كانت حلوة ولذيدة في وقتها، وحقيقة لم يكن الرئيس وقتها قريباً من نوريغا ولا فيه ولافينا يشبه نوريغا وبلاده. أما الآن فإن الأمر يحتاج إلى بصيرة وإلى حكمة.. فالأنظمة التي سقطت دلت دلالة واضحة أن هناك ظاهرة غريبة اسمها «رجال حول الرئيس». موجودة في معظم الأنظمة التي سقطت.. وموجودة في بعض الأنظمة الآيلة للسقوط.. وكذلك موجودة في بعض الأنظمة التي تظن أنها بمنأى ومعزل عن ظاهرة «الشعب يريد تغيير النظام». إن أكبر كبوة تكبوها الإنقاذ أن تتعمل مع الدستور بأقل مما يستحقه أو تجعله وسيلة لنيل رضا المنافسين أو المطبلين أو «رضوة» «للحردانين» إن الإسلاميين في السودان هم الأنصار الحقيقيون للإنقاذ ولمشروع الإنقاذ الأم.. على مختلف مشاربهم وأسمائهم ومسمياتهم.. أما ما يمطر به خصوم الإنقاذ المشروع الإنقاذي الأم فلا يجب تنزيله على منهج «وإذا أتتك مذمتى». إن الدولة بصدد إصدار تشكيل لجنة باسم اللجنة القومية للدستور.. هذا ما تتناوله وتتداوله المجالس.. والمجالس ترشح رئيساً لهذه اللجنة.. وأرجو ألا يصدق هذا الترشيح. وليس التحفظ على رئيس اللجنة وحدها إن صح أنها سترى النور. إن موضوع الدستور لا تنفع فيه العشائرية ولا الأجاويد ولا الترضيات.. إن الذي ينفع فيه هو المعرفة والخبرة والهم والسابقة والسبق والقدم الراسخة في الفكر والدعوة. نكرر.. إذا كانت الإنقاذ جادة في إقرار دستور ترضي به الله وتقدمه حجة أمامها يوم يقوم الأشهاد فأرجو ألا تتنكب الطريق والنائحة الثكلى ليست كالنائحة المستأجَرة.. ونحن نقرر للأسف الشديد أن معظم نائحات الإنقاذ من المستأجرات أما صاحبات الثكل والمصيبة فهن على أرفف السياسة وأرفف الوظيفة وأرفف التكليف. والكبوة الثانية التي نحذر منها الإنقاذ هي أن الشعب لا يزال يردد حتى هذه الساعة: «الشعب يريد تخفيض الأسعار» فعلى الإنقاذ أن تنظر بجدية في كيفية تخفيض الأسعار لأن ارتفاع الأسعار في مدة لا تزيد على الشهر كان جنونياً.. بعض السلع الضرورية تضاعفت 100% وهي ظاهرة خطيرة ولا يجوز السكوت عنها ولا الصبر معها ولا المصابرة. إن أحد شروط ولي الأمر كما جاء في أحد مسودات الدستور غير العلمانية أن يتوفر في ولي الأمر «حسن الرأى المفضي إلى حسن سياسة الرعية». ومن حسن سياسة الرعية ألا يتغافل عما ينفعها وأن يحارب الاحتكار والغلاء والجشع والندرة وسوء التوزيع. إن كثيراً من هذه الأحداث التي تدور حول السودان وأهل السودان يمكن أن تعد من حسن صنيع الله بالسودان والإنقاذ.. منها سقوط القذافي وسقوط حسني مبارك.. وعودة العقل للحركة الشعبية في جوبا وذلك مثلاً بتقديمها وزير الدفاع للمساءلة أو المحاكمة بسبب دعمه للحلو وعقار. ومن حسن صنيع أهل السودان للإنقاذ.. هو صبرهم هذا الطويل ورجاؤهم الممتد وتأمينهم للإنقاذ. فأين هو حسن صنيع الإنقاذ لله ولأهل السودان؟ إن من حسن صنيع الإنقاذ لله أن تُحكم الدستور القادم وأن تسند الأمر إلى أهله.. وأن تقصي أهل البوائق وأهل الشرور ومرتادي الأنظمة والوظائف. وإن من حسن صنيع الإنقاذ لأهل السودان أن تحارب الغلاء وتأخذ على أيدي المفسدين وأن تعلن عقار وعرمان والحلو مطلوبين للمحاكمة بتهمة الخيانة العظمى.