مخابرات أوغندا تطلب من عبد الواحد محمد نور المثول أمامها، وثلاثة من مرافقيه يُمنعون من عبور الحاجز، ثم يتوسط نور اثنان يقودانه إلى حيث يطلُبونه... وفي العربة كان عبد الواحد نور يُحدث مرافقيه الذين مُنعوا من عبور الحاجز، ثم يطلب من السائق أن يقلّه إلى منزله بحي «قالوبي» بالعاصمة الأوغندية كمبالا... وعندما يُفاجأ مالك عقار بغياب عبد الواحد عن اجتماعات ترتيب ملتقى كمبالا على اعتبار أن ذلك من صميم عمل القطاع السياسي للجبهة الثورية برئاسة عبد الواحد نور، كان نور يصدر أوامره لصلاح أبو السُرّة الذي يمثله في الاجتماعات بالكف عن ذلك منذ الآن فصاعداً، وبعدها يفتح عبد الواحد الباب ليجد أن كلاً من مالك عقار ومني أركو مناوي يطلبان الإذن بالدخول... وكانت المخابرات الأُوغندية تنفذ فقط توجيهات الإدارة الأمريكية القاضية بترك مهام التنسيق والإشراف على ملتقى الجبهة الثورية وقوى الإجماع الوطني لياسر عرمان!! لذلك لم يكن مستغرباً أن يُحدث ميثاق الفجر الجديد الموقع من قبل قادة الجبهة الثورية وممثلي وفد الداخل كل هذه الربكة في صفوف المعارضة الداخلية، وقد كرّس لعلمانية الدولة وتقسيم البلاد، ما أدى لسخونة الساحة السياسية بمختلف مستوياتها تجاه حراك مهزوم هذه بعض ملامحه: إذ اعتبر تحالف قوى الاجتماع الوطني أن ضعف تمثيل وفد تحالف الداخل أدى لتمرير أجندة ياسر عرمان والمتمثلة في الكفاح المسلح وإقرار حق تقرير المصير للولايات، وأن ما تم سيحدث انقساماً في صفوف المعارضة ... كما اعتبر المؤتمر الشعبي والذي أوفد طارق محجوب، وثيق الصلة بقيادات الجبهة الثورية، ممثلاً للحزب بعد أن تخلّف كمال عمر خشية الملاحقة الأمنية أن الميثاق تضمن كل نقاط الخلاف مع الجبهة الثورية والمتمثل في فصل الدين عن الدولة وحل المؤسسات النظامية وإقامة دولة علمانية وأن يكون نظام الحكم رئاسياً مع إعطاء الأقاليم حق تقرير المصير، أما الترابي فقد أحس بخطورة الموقف لا سيما وأن بعض بنود الميثاق تقدح في مرتكزات الحركة الإسلامية لذلك ذهب باتجاه الترويج بأن التوقيع على الميثاق لم يكن غير سلوك شخصي للمدعو طارق محجوب وليس مسلكاً تنظيمياً... الأُمة القومي كذلك عبّر عدد من قياداته عن رفضهم لبنود الميثاق لجهة أن صلاح مناع تجاوز التفويض الممنوح له، وكان مناع قد مثّل الحزب قادماً من كينيا بعد رفض المكتب السياسي تلبية الدكتورة مريم الصادق المهدي لدعوة ياسر عرمان للمشاركة في الملتقى ممثلة للحزب، كما تحفّظ الصادق المهدي على توقيع نصر الدين الهادي المهدي، ورغماً عن ذلك جاء موقف الحزب من الميثاق كالعادة ضبابياً وغير واضحٍ... الشيوعي من جانبه استبسل لامتصاص غضب أحزاب قوى الإجماع الوطني دون أن يؤدي ذلك لنسف الميثاق أو يؤثر على العلاقة مع الجبهة الثورية، كما حاول كذلك تأكيد أن توقيع صديق يوسف على الميثاق جاء لكونه رئيساً لوفد تحالف الداخل وليس كعضو بالحزب الشيوعي... من جانبها أكدت أحزاب البعث أن الميثاق لا يمثلهم ويجب أن تتخذ القوى المعارضة موقفاً واضحاً تجاهه، ويأتي ذلك الموقف متسقاً مع ما رشح من حديث حول تشديد ياسر عرمان على عدم مشاركة أحزاب البعث في الملتقى باعتبار أن الأمريكان لا يريدونهم ضمن وفد تحالف الداخل. وفيما يختص بالجبهة الثورية، فإن تغوُّل عرمان على مهام رئيس القطاع السياسي بالجبهة الثورية عبد الواحد محمد نور مستنداً في ذلك على الدعم الأوغندي والأمريكي ، أثار حفيظة قيادات الحركات الدار فورية، خاصة وأن الميثاق كان قد نص على إعطاء إقليمي جنوب كرد فان والنيل الأزرق حق تقرير المصير أسوة بإقليم دارفور... ميثاق «الفجر الجديد» الذي حاول ياسر عرمان بكل السبيل أن يُعلي من قدره، وبعد الربكة التي أحدثها في الساحة السياسية الداخلية لجهة اشتماله على مطلوبات يتفق الجميع على رفضها، فإنه لا حرج إن كان آخر حديثنا داعماً لإعلاء مبدأ الحوار مع المعارضة الداخلية على خيار الملاحقة الأمنية، حتى لا يقود كبت ممارسة العمل السياسي السلمي إلى الارتماء في أحضان دعاة التغيير عبر الكفاح المسلح.