لم يكتمل الأسبوع الذي وقعت فيه المعارضة بشقيها السياسي والعسكري (الحركات المسلحة) على وثيقة الفجر الجديد الداعية إلى استخدام كافة السبل لإسقاط نظام الإنقاذ ومن ثم عملت على تحديد آليات حكم ما بعد الإنقاذ من مرحلة انتقالية ودستور انتقالي يفصل الدين عن الدولة ،لم يكتمل الأسبوع حتى سمعنا خطوط الرجعة وبكتيريا الخلاف تدب في أوساط المعارضة ،فقد كشفت الأخبار عن خلافات بين قيادات قطاع الشمال وفصائل دارفور في تحالف الجبهة الثورية وصلت إلى حد المشادات الكلامية وملاسنات بالعرق واللون بين ياسر عرمان وعبد الواحد محمد نور، وأن عرمان اتهم فصائل دارفور بالفشل والانشغال بتوجيه بنادقهم ضد بعضهم البعض, وأنه لن يكون نادماً إذا خرجت فصائل دارفور من التحالف .كما أعلن حزبا الأمة القومي والمؤتمر الشعبي تبرؤهما من الوثيقة ،معلنين عن اختلاف في الرؤى بينهما والوثيقة الموقعة ،فحزب الأمة قال إنه بعث بموفده إلى لقاء كمبالا ليعبر عن وجهة نظر الحزب الرافضة لتغيير النظام عن طريق القوة العسكرية ،يعني يمكن تشبيه موقف موفد حزب الأمة بالذي يبتعث إلى الحانة لإقناع الذين بها بعدم احتساء ما أمامهم من كؤوس وقناني ،لا علينا المهم أن الأمة أعلن تبرأه ،أما الشعبي الذي يذاع الكثير عن علاقته العضوية بحركة العدل والمساواة ،فلم يكن مبعث تبرئه هو رفضه للعمل المسلح وسيلة لتغيير النظام , ولكن علاقة الدين بالدولة في فترة ما بعد الإنقاذ التي لن يجد فيها الشعبي موطأ قدم باعتباره الوجه الآخر للمؤتمر الوطني في التوجه الإسلامي ،والذي لم نعلمه بعد هو موقف الدكتور يوسف الكودة وحزبه الوسط الإسلامي آخر المنضمين إلى تحالف المعارضة الموقع على علمانية الحكم في وثيقة كمبالا؟ وليس ببعيد عن الأذهان نفي صلة الاتحادي الأصل الذي يتربع على عرش السلطة مشاركا في القصر والوزارة نفى صلته بالذين وقعوا باسمه في كمبالا ،فالحزب مرجعيته مولانا ،لكن الحزب الأكبر إسهاما وسيطرة وهندسة للميثاق والأكثر من حيث عدد الواجهات الموقعة الحزب الشيوعي السوداني بدأ مسعى إنقاذ الميثاق من تملص الموقعين حينما قال: (إن ميثاق الفجر الجديد وقع بالأحرف الأولى بين مكونات المعارضة المسلحة والمدنية وسيخضع للمراجعة وقابل للأخذ والرد قبيل توقيعه بشكل نهائي بين رؤساء المعارضة والجبهة الثورية )،فهل استشعر الشيوعي الورطة التي أوقع فيها المعارضة الداخلية بتحالفها مع أجندات التمردات العسكرية التي توقعها من ناحية في دائرة المساءلة القانونية بالتآمر مع حركات مسلحة لإحداث أعمال مخالفة للقانون من ناحية ،والأمر الثاني هو الاستهجان الذي لقيه الاتفاق من قبل قطاع واسع من النخبة التي تعتبر أن الكثيرين من أهل الحركات المسلحة يتمترسون في أجندة بغيضة بعضها عنصري وبعضها جهو،ي وجلها يصب في أطروحة السودان الجديد التي يتبناها قطاع الشمال خليفة الحركة الشعبية. حاشية: لئن حاولت الكثير من القوى السياسية المعارضة التملص من ميثاق كمبالا أو التبرؤ منه ،فإن ما تم لا يمكن أن يتم تناسيه هكذا بمحض جملة النفي أو التبرؤ ،ذلك أن المواقف واضحة منذ الإعداد للمشاركة في المؤتمر الذي كانت معلومة أهدافه في التنسيق بين المعارضتين المدنية والمسلحة ،وقد تعرت الأحزاب بهذا التوقيع أمام ناظري الشعب ،لكن الذي تريد أن تتبرأ منه هو فقط مسئوليات وتبعات ذلك التوقيع.فالطريق إلى كمبالا يسير في اتجاه واحد لا رجعة فيه .