حاولت كثيراً أن اقنع صديقي بأنني لست فى حاجة لاقتناء مسدس، ولكنه لم يقتنع بل واصل محالاوته المتكررة في اقناعى بأن الخرطوم التي نعرفها فقدت الأمن، فقد تحولت الخرطوم بفضل تراكم الوافدين عليها من مختلف الاشكال والاجناس الى مكان غير مأمون بالمرة. وكان يؤكد كلامه بقوله: ألم تقرأ في الصحف أن قطاعي الطرق وهمباتة المدن قد اعتدوا على فلان الفلاني بالقرب من سوق ليبيا واخذوا ساعته ونقوده؟ الم تسمع بالذين هاجموا علان بالقرب من كرتون مايو وأوسعوه ضرباً ولكماً وأخذوا كل ما عنده؟ وبالرغم من انى لا إرى أنه سيكون هناك سبب ما فى ذهابى الى سوق ليبيا او كرتون مايو او سلخانة الكدرو بالليل، إلا أنه كان يقول بإصرار: ومن يضمن؟ ربما تستدعي الظروف ان تكون موجوداً فى تلك المناطق بالليل. وهكذا تقدمت للسلطات بطلبي الذى حظي بالتصديق وتحصلت على مسدس بكامل أوراقه الثبوتية والقانونية، غير أن التصديق لا يوضح الحالات التي يجوز أن استعمله فيها، فهو مسدس فقط، قطعة من الحديد البارد ترقد فى جيبي ولا ادرى متى استعملها. واستنجدت بصديق وسألته: طيب دلوقت استعمل البتاع دا متين؟ ويجيب صديقى: يا أخى لما يلاقيك واحد يتهجم عليك. وأتساءل انا: وطيب أنا ألقى الزول البتهجم على دا وين؟ ويجيب صديقي: يا أخى ما تبقى بليد ... يعني هو الحيقابلك مش إنت الحتقابلو. ولكني لا أفهم أبداً، ولنفترض إنه قابلنى فماذ افعل ... هل اصوب المسدس وأرديه قتيلاً .. ام ماذا افعل؟ ويتضايق صديقي جداً. شوف أنت الظاهر عليك ما فاهم القصة ... لما واحد يتهجم عليك ... طوالى تدافع عن نفسك بالمسدس دا ... يعني تقصد اضربه؟ تضربه.. تهدده ... تخوفه .... تعمل أي حاجة. ومازال هناك سؤال أخير في رأسي: وافرض أبى يخاف ... اعمل شنو ؟ يعني أضربه؟ ويصيح صديقي: لا حول ولا قوة الا بالله ... يا أخي أضربه ... أيوه أضربه ... مش هو الاتهجم عليك؟ خلاص أضربه. وتسري قشعريرة في جلدي سرعان ما تتسرب الى داخلي ... وأنا أرى نفسي وقد صوبت المسدس نحو أحدهم وارديته قتيلاً ... معنى هذا إنني سأكون قاتلاً ... ولم أستطع أن افهم هذا الموضوع. والآن وقد مضت سنتان منذ حصولي على المسدس ولم يتهجم عليَّ أي شخص ولم أتعرض لأي موقف كهذا ... وحتى صديقي لم يعد يتحدث معي في هذا الموضوع فهو فقط كان يريد أن يتأكد من أنني امتلك مسدساً ولكن استعمله أو لا استعمله فهذا ليس من شأنه. حتى كانت ليلة هبط فيها الظلام وأنا بعيد عن منزلي وقد تعطلت العربة. والنور الوحيد الذي ألمحه كان على بعد ثلاثة أميال. ولم أجد بداً من ترك العربة والذهاب الى اقرب مكان أستطيع أن أتدبر فيه أمري. وكان على أن اشق الظلام الكثيف الذي تستطيع أن تتكل عليه عصاتك. والآن جاء دور المسدس، فبعد عامين أستطيع أن أقول إنني أتحرك في الظلام وتحت حماية كاملة ... ولا بد أن صديقي بنظرته الثاقبة قد تنبأ بمثل هذا الموقف المشرف لي والذي سأحكي عنه لأحفادي وأحفاد أحفادي ... فيا همباتة المدن ويا قطاعي الطرق ويا حرامية الخرطوم اتحدوا وقفوا أمامي ... فقد جاء اليوم الذي أنتقم فيه لكل إخوتي الافندية الذين تركوا ساعاتهم وجزالينهم أمانة عندكم ... فهأنذا قد جئت أسترد الأمانة. ولكن سرعان ما سرت تلك القشعريرة في جلدي ... وطاف بذهني خاطر سريع بأنني بعد دقائق سأكون قاتلاً ... ولكن ماذا أفعل وقد دفعت في هذا المسدس مبلغاً كبيراً، ثم أن صديقي كان يقول لي إنني يجب أن أدافع عن نفسي ... وأخيراً توصلت إلى حل ارتحت له جداً. فبدلاً من الدخول مع الحرامية في قتال لماذا لا أمثل رباطاً مثلهم ... وكل الذي سأفعله إذا رأيت شخصاً يتحرك في الظلام أن أصرخ فيه صرخة شديدة، ولكني أعطيه الفرصة ليجرب ساقيه فيفلت مني، وبذلك لن أدخل في عراك مع أحد حتى أصل إلى المكان الذي أتدبر فيه أمر نفسي وعربتي. ولمحت شبحاً يتحرك في الظلام ... وصرخت: أقيف قبلك .... أوعاك تتحرك ... وسمعت صوت أقدام تفر بعيداً عني فارتحت جداً. هذا واحد فر بجلده.. وبعد مدة لمحت شبحاً آخر وكررت نفس التمثيلية: أقيف قبلك ... أوعاك تتحرك. ولكن الشبح وقف في مكانه ... لم يتحرك ... يا له من بليد لماذا لم يهرب.. وجعلت اضرب الأرض بقدمي كي أخيفه وتشاغلت بأنني أربط حذائي ... ولكن الشبح وقف في مكانه ... ولم أعرف ماذا أفعل ... وصرخت مرة أخرى: أنت واقف ليه ... مش أحسن ليك تجرى .. ولكن الشبح رد هذه المرة بقوله: وأجرى ليه ... مش إنت قلت لي اقيف قبلي وأوع أتحرك؟! وأنا بالطبع لم احسب لهذا الموقف حساباً.. ولم اكن أتصور أن يكون هناك نقاش وحوار. وصمت قليلاً ثم قلت: وإنت مش عارف إنو المحل دا فيه رباطين ... وحرامية ولما يقولوا ليك اقيف طوالى تقوم جاري؟ ولكن الشبح ازداد نقاشاً وحواراً: لا يا خينا ... نحنا لما يقولوا لينا اقيفوا قاعدين نقيف. وشعرت بأن المسدس قد تحول إلى قطعة من الحديد البارد إلا إنني بلعت ريقي وأنا أقول: والله قصة ... وإنتوا أصلوا حكايتكم شنو ما قاعدين تعملوا حساب للرباطين؟ وأجاب الشبح إجابة أظنني أكون قد سمعت جزءاً منها فقط وأنا أسابق الريح فقد قال: هه ... نحنا يا أخوي يا نا ذاتنا الرباطين والحرامية!! «من كتاب سلامات الذي سيصدر نهاية هذا الشهر إن شاء الله».