«يا حليل أيام زمان» عبارة دائمًا ما يرددها الكثيرون فهم يمجدون الماضي ويعتبرونه دومًا الأفضل والأكمل ويرون الحاضر دائمًا بنظرة الناقص. ففي المجال الرياضي مثلاً نجد أن كبار السن يمجدون فترة الستينيات والسبعينيات ويعتبرون تلك هي فترة العصر الذهبي للكرة السودانية ويبخسون الواقع الرياضي اليوم وغيرها من الحكايات التي يصر الكثيرون على سجن أنفسهم في داخلها... فهل الحنين إلى الماضي هروب أم سجن في قوقعة الزمن؟ «البيت الكبير» ناقش القضية مع عدد من المختصين وخرج بالتالي... خالٍ من البطولات يرى الأستاذ معتز الهادي / موظف أن تمسك الكثيرين وتشبثهم بالماضي يعود إلى اعتقادهم بفشل وقصور حاضرنا وهو ما يدفعهم والتشبث بالماضي والإصرار على الاحتفاء به حتى لو كان ذلك الماضي خاليًا من البطولات والملاحظ أن الماضي يلاحقنا في واقعنا اليومي ويأخذ حيزاً واسعًا من اهتمامنا فالأغاني مرتبطة بالحقيبة التي هي أفضل ما جادت به قريحة الأولين وعندما نروي القصص لأطفالنا نروي لهم بأسلوب كان يا ما كان في سالف العصر والأوان فالحديث عن الذكريات حديث محبب إلى النفس فالإنسان بطبيعته يحن إلى الذكريات لذلك يحلو الحديث عن زمان وأيام زمان. احترام «نعم».. تسليم «لا» نحن نحترم تجارب من سبقونا وحفظها لهم لكن ليس لدرجة التسليم المطلق بهذه التجارب، هكذا حسم الأستاذ أبوبكر أحمد /الصحفي القضية وقال إن إصرار البعض على التباكي على الماضي هو مجرد تقليل من شأن تجارب الأجيال اليوم، فالصحافة مثلاً إذا قارناها بالأمس نجدها تطورت ففي الثمانينيات لم تكن توجد تقارير بالشكل المتطور اليوم فقد ظهرت مدارس جديدة في صياغة الخبر والتحقيق وظهر التنافس في الحصول على الخبر مؤكدًا أن الصحافة كانت تمتلك مبدعين ولكن كانت تنقصهم الإمكانات لذلك فجيل اليوم محظوظ حتى التصميم تطور وأضيفت له لمسات فنية كالفتشوب. لذلك أعتقد أن التباكي على الماضي والسجن في قوقعته هو إدمان فقط ومحطة يصر البعض على التوقف فيها طول العمر. خصم علينا برغم تحسر الأستاذة آمنة جمعة على الماضي خاصة في تعليم المرأة إلا أنها عادت وقالت إن التعليم أخرج المرأة من قوقعة الجهل والتخلف وأعطاها المزيد من الحريات وصار لها رأي إلا أنه من الملاحظ أن التعليم كان خصمًا عليها واستغلته حواء الاستغلال الخطأ فكثر زواج المسيار والعرفي وغيرها من الإفرازات السالبة التي ارتبطت بالمتعلمات. الفن زمان «الفن زمان.. والكورة زمان.. ويا حليل أيام زمان» لم يجد العم يوسف صاحب السبعين عامًا عبارة أنسب من ذلك للتعبير عن تشبثه بماضيه فكأنه كان ينتظر قدومي للبوح بمكنونات صدره، فقال إنه قضى أجمل سنوات عمره في الاغتراب وتعرف على أشخاص صاروا له بمكان الأشقاء وأضاف: أتحسر على الماضي بكل أشكاله فهو يشعرني بأن الدنيا بخير بالرغم من أن زمان كان يفتقر إلى الكثير من الأشياء ولكنه في نظرنا كان جميلاً والدليل على ذلك أن مطربي اليوم لا يجدون أجمل من شعر الحقيبة ليصدحوا به والسلم التعليمي لا يمكن مقارنته بالذي يحدث اليوم في أضابير الجامعات ووسائل الإعلام وختم حديثه بالقول: «الما عندو قديم ما عندو جديد». الذكريات ملاذ آمن الأستاذة نجدة محمد عبد الرحيم المتخصصة في علم النفس قالت إن الإنسان الكبير نتاج لخبرة طويلة فهو مر بسلسلة من التجارب والخبرات التي لها وقع خاص في نفسه وهو دائمًا ما يعقد مقارنة بين الماضي والحاضر فتصبح الذكريات له ملاذًا نفسيًا وتؤكد أن الماضي يختزن في الذاكر الطويلة المدى لذلك عندما يصل الشخص إلى سن الخمسين ويتجاوزها تنشط عنده الذاكرة الطويلة المدى وهذا النشاط يجعله في حالة تذكر دائمًا لماضيه وتضعف عنده في ذات الوقت الذاكرة قصيرة المدى التي تربطه بواقعه اليوم.