جاءت التعديلات في قيادة الجيش الشعبي في دولة جنوب السودان بإعفاء نواب رئيس هيئة أركان الجيش الشعبي، ومن الطبيعي أن يُعفى قادة الجيش الكبار خاصة من يصلون إلى مواقع نواب القائد العام أو رئيس هيئة الأركان، وذلك لبلوغ السن القانونية وترقية الضباط الآخرين الذين لم يبلغوا سن المعاش. لكن قبل قرار رئيس حكومة جنوب السودان سلفا كير ميارديت بإعفاء هؤلاء الضباط الكبار، كان هناك حديث يُثار حول إمكانية أن ينقلب بعض الضباط في الجيش الشعبي على الرئيس والقائد العام للجيش سلفا كير إن هو اتخذ خطوة حاسمة لفك ارتباط قوات قطاع الشمال بالجيش الشعبي. وكنت قد كتبت هنا قبل أيام أن على سلفا كير أن ينقلب هو على أولئك الضباط إذا كان جاداً بالفعل في وضع العلاقات بين الخرطوموجوبا في مسار تحقيق الأمن والاستقرار والتعاون الاقتصادي الذي يعود ثماره لصالح الشعبين. لكن قرار إعفاء جنرالات الجيش الشعبي الستة ليس بالضرورة يعني أنه انقلب عليهم لتمهيد الطريق لعملية فك الارتباط الذي لم يتأثر بانفصال جنوب السودان عن شماله واقامة دولة «كيدية فيه» ربما فكرة الدولة الكيدية هي التي تقف وراء الإصرار على استمرار الارتباط بين الجيش الشعبي وقوات عقار والحلو أو بالأحرى هي قوات تابعة أيضاً للجيش الشعبي قيادياً ولوجستياً. لكن حتى إذا لم يكن بالضرورة أن إعفاءات هؤلاء الجنرالات جاءت كخطوة إستباقية لصالح فك الارتباط، يمكن أن تكون مفيدة في هذا الاتجاه إذا كان هؤلاء الستة المعفون أو بعضهم من الرافضين لفك الارتباط وإن كان شرطاً لاستئناف تدفق النفط وبالتالي تعافي اقتصاد الجنوب. لكن الملاحظ أن ضمن هذه الاعفاءات لكبار الضباط كان إعفاء المهندس شول تونق ماياي حاكم ولاية البحيرات من منصبه. فالمنصب الدستوري لا يتقيد بالسن. ثم إن هناك أحد عشر ضابطاً برتبة اللواء تم اعفاؤهم مع نواب رئيس هيئة الأركان. إذن حتى لو لم يكن الأمر انقلابًا فوقيًا لصالح فك الارتباط وتحرير دولة الجنوب من المعاناة بسبب قرار ايقاف ضخ النفط، فربما هذه القرارات جاءت على طريقة «رب أخ لك لم تلده أمك» ربما جاءت مفيدة جداً إذا أخذنا في الاعتبار تخوف وتوجس سلفا كير من أن ينقلب عليه بعض الضباط إذا ما هو نظر الى المصلحة العليا لبلاده من خلال فك ارتباط الجيش الشعبي مع قوات قطاع الشمال. هناك قرارات ووقائع وحوادث تأتي كأسباب لمعالجة مشكلات أو تأزيم أوضاع دون أن يكون القصد وراءها. فمثلاً تغيير حكومة في دولة يكون سبباً لتحسين علاقاتها مع دول أخرى. أو تغيير اسلوب سياسي معين في نظام دولة يكون سبباً لنفس الشيء. والآن المحنة الكبرى بالنسبة للسودان المتمثلة في ارتباط قطاع الشمال مع الحركة الشعبية يحتاج تجاوزها لتغيير الحكم في جوبا أو تغيير سياسته تجاه قطاع الشمال على الأقل حتى ينقطع الدعم المؤذي لشعب السودان بطريقة مباشرة هي نسف الأمن ولشعب جنوب السودان بطريقة غير مباشرة هي سوء العلاقات الاقتصادية بين الدولتين. والمفترض تحسينها بالطبع لأن من هناك يتدفق النفط عبر السودان، ومن هنا تعبر السلع المختلفة حدود عام 1956م. وإذا عقدنا هنا مقارنة بين المصلحتين، فإن المستفيد الأكبر من فك الارتباط هو السودان، لأن نسف الاستقرار من قبل قد عرَّض أبناء وبنات جبال النوبة والنيل الأزرق لمآسٍ لم يسبق لها مثيل من قبل في المنطقتين، فقد كان القتل والاغتصاب والتشريد من المأوى ومؤسسات التعليم، فهل قرارات سلفا كير هذي ستأتي بفك الارتباط؟