عامان منذ انفصال جنوب السودان والأوضاع بين شد وجذب التوتر، ولقاء وآخر ولاجديد ولا اتفاق ولم يسحب أي من البلدين جيشه من الحدود الممتدة لمسافة ألفي كيلومتر.. هل هو عدم ثقة ناجم عن أطول حرب أهلية في إفريقيا تجاوزت سنواتها العشرين أم نتاج أزمة امتدت لنصف قرن من الزمان، أن يظل الوضع بين دولتي السودان لا شك أنه يمثل تحديًا كبيرًا للقارة الإفريقية لتحقيق ثقتها في فض النزاعات الإفريقية في إطار البيت الإفريقي. من أجل الخروج من هذا المأزق رتب الاتحاد الإفريقي محادثات إثيوبيا بين البشير وسلفا كير ، ولكن رغم سلسلة من المباحثات بشأن كيفية إنشاء المنطقة منزوعة السلاح ظلت دولة جنوب السودان وبحسب وزير الخارجية علي كرتي تضع العراقيل امام تنفيذ الاتفاقيات الخاصة بالترتيبات المؤقتة، وتقوم بتحركات تتنافى مع حسن النية والرغبة في الاتفاق منها ودعمها المستمر للجبهة الثورية ولمتمردي جبال النوبة بالآليات والاسلحة. كل ذلك يعضد سيناريو القمم الفاشلة حتى الآن، ففي 27 من سبتمبر الماضي وقّع الطرفان اتفاقيات اساسية كانت تنص بشكل خاص على استئناف إنتاج نفط جنوب السودان وتصديره عبر أراضي السودان إلى موانئ البحر الأحمر. وفي مطلع يناير الجاري التقى الرئيسان مرة اخرى بأديس ابابا وتعهدا خلال الاجتماع بتحديد جدول زمني لتطبيق اتفاقايات سبتمبر الماضى والسبت الماضي كان ختام جولة اخرى من المفاوضات أخفق وفدا التفاوض في التوصل لاتفاق خلالها وبقيت النقاط الخلافية قائمة لتكون أجندة رئيسة في القمة التي انعقدت في الأول من الامس بين الرئيسين البشير وسلفا كير أبديس أبابا على هامش أعمال القمة الإفريقية وبحضور الوسيط الإفريقي ثامو مبيكي. بحث الطرفان فيها آليات تجاوز نقاط الخلاف بين البلدين ومن بينها قضية أبيي، وفك الارتباط بين الجيش الشعبي لجنوب السودان والحركة الشعبية قطاع الشمال، وترسيم الحدود في المناطق المختلف عليها. وكان الفشل من نصيبها أيضاً بالرغم حسن النية الذي أبداه الرئيس البشير في التخلي عن اللجوء للتحكيم الدولي بشأن «استيلاء» جوبا على أصول نفطية لدى انفصالها في 2011م . عندما استولت شركة «نايلبت» النفطية الحكومية بجنوب السودان على أصول كانت مملوكة في الماضي لشركة «سودابيت» السودانية الحكومية، وإعلان جنوب السودان عدم دفع مبالغ الأصول التي تخلى السودان عن السعي للحصول على تعويض لها يقدر« 1.8» مليار دولار. وكان إعلان البشير أمام اجتماع لرؤساء دول من بينهم سلفا كير ميارديت رئيس جنوب السودان أن السودان مستعد لمواصلة المفاوضات مع حكومة جنوب السودان بهدف التوصل لحل سلمي للقضية. ولكن مرة ومرتان وثالثة وتتعثر تلك المفاوضات وحتى امس الاول والأمل ما يزال قائماً أن يستأنف البلدان المحادثات في منتصف فبراير المقبل وفي العاصمة الاثيوبية وبدوره يعطي مجلس السلم والأمن الإفريقي لجنة الوساطة التابعة له«6» أشهر أخرى قبل أن يقدم تقريره النهائي للاتحاد الإفريقي. وبين التعزيزات العسكرية التي تقدمها حكومة الجنوب لللمتمردين والجبهة الثورية وبين التعزيزات الامنية على الشريط الحدودي مع دولة التي شرعت فيها مؤخراً المحليات الحدودية بجنوب كردفان ماذا ينتظر لاحقاً؟! لم تستطع لقاءات القمة بين الرئيسين البشير وسلفا كير حلحلة الأزمة وإخراج البلدين من دائرة الخلافات التي تحيط بهما منذ حصول دولة الجنوب على استقلالها قبل عامين. وبحسب المراقبين أنه من السهل جدًا عقد قمم على مستوى الرئاسة، ولكن العبرة بالنتائج التي ستسفر عنها تلك القمم وقدرة الطرفين في التوصل إلى حلول عملية لتنفيذ الاتفاقيات الموقعة والالتزام بها، وحتى الآن لم يحدث شيء يبشِّر مما جعل المراقبين يتشككون في غياب الإرادة الحقيقية من قبل الرئيسين في تجاوز العقبات وتحقيق السلام!! بعد فشل القمم الثنائية بين الرئيسين البشير وكير في اختراق القضايا العالقة وإحداث التقدم المطلوب يظل السؤال القائم: ما هو السيناريو القادم الذي تحاول جوبا جر السودان إليه من خلال بعض المتاريس والعقبات التي تصنعها؟، ومن هو صاحب المصلحة في تصعيد الأوضاع وإشعال نار التوتر بين البلدين؟، وما هي الفائدة التي يجنيها شعبا البلدين من تسارع الخطى نحو التصعيد والمواجهات؟.. أسئلة إن استعصت الإجابة عنها الساعة فإن الأيام القادمات حُبْلى يلدن كل جديد من أحداث الغد.