يقولون عن «القاوت» هو مرض الملوك لأنه يأتي من أكل اللحم الذي تكون عامرة به طاولات الملوك عادة، وحتى الحكايات الأسطورية تصور مائدة الملك والوزير أنها فخمة، والدراما أيضاً وهي حقيقة تتمثل في أن كل قصر له طباخ يعدُّ الأكل الفخم، ويعد له برنامج طعام خاص. فمثلاً طاهية البيض الأبيض تقول إن أوباما يفضل الطعام الفيتنامي! وطاهي الإليزيه يقول إن ساركوزي يحب الشيكولاتة، وملكة بريطانيا وأسرتها يفضلون الخضروات ولحم الضأن، وكونداليزا رايس تحب الملوخية! وفي العالم العربي كشف طباخ عن الأكلات التي يفضلها الرؤساء، مثل بشار الأسد الذي يحب فتة الموز، والقذافي يحب المقلوبة وزين العابدين بن علي يحب الجمبري، والملك محمد السادس سلطة الجمبري ولحم البتلو، وملك البحرين يفضل لفائف الدجاج المحشية، والرئيس ياسر عرفات كان يحب الدجاج المشوي، ولكن في السودان نحن نتعامل مع كل شيء بأريحية وبساطة ونعشق البلدي، ولا نقول إن الموائد متقشفة، ولكن نقول الرئيس يعشق الكسرة حسبما قالت السيدة الأولى وداد بابكر في حوار صحفي إنها تقوم بعواسة الكسرة بنفسها أحيانا للسيد الرئيس وهي السيدة الأولى. ونحن السودانيين يغلب علينا طبعنا البسيط، فلا توجد قواعد أو بروتكولات معينة للأكل. فيحكي سائق تاكسي في دولة أوروبية أن الرئيس البشير شاركه صحن فول حلف عليه ليأكل معه، ولا ندري مدى صحة القصة، لكن سلوك الرئيس البسيط يعزز تلك المقولة. وكشف مستشار الرئيس الصحفي«السابق» محجوب فضل بدري في حوار صحفي، اصطحاب الرئيس لطباخ خاص لضمان وجود الأكلات السودانية البلدية مثل «الويكة» والكسرة، وأحياناً يصر على حمل السمن أو «اللحم» لطبخه خلال فترة إقامته خارج السودان! وصرحت ذات مرة زوجة الشهيد الزبير محمد صالح أن المرحوم في رمضان لا يأكل سوى العصيدة والقراصة بالتناوب! وحكي لي زميل صحافي نقلاً عن أحد الظرفاء السياسيين، أنه كان في منزل السيد على عثمان النائب الأول لرئيس الجمهورية، وأصر على بقائهم لتناول وجبة الغداء التي فرح صديقنا بها باعتبارها مائدة الرجل الثاني في الدولة، وستكون عامرة بما لذ وطاب، ففوجىء بصينية بها ملاح أم رقيقة وكسرة وطبيخ بطاطس وسلطة، وعرف فيما بعد أن النائب لم يغير عاداته الغذائية السودانية اليومية. وذات مرة دخلت منزل د. الترابي لعمل حوار مع زوجته السيدة وصال، فوجدت صينية طعام مهيأة لوجبة الإفطار تشبه أية صينية سودانية، بقليل من الرتوش. وقُدم لي شراب عادي وقهوة طقوسها سودانية، وعلى الرغم من مشروب الكركدي الذي قدمته لي السيدة حفية زوجة الصادق المهدي في زيارة لها، إلا أنني علمت أن حفيد المهدي «الصادق» له نظام غذائي خاص يعتمد فيه على اللحوم البيضاء من سمك ودجاج. رغم أن وصال المهدي تحتفظ بجفنة الإمام المهدي التي كان يقدم فيها العصيدة للضيوف. وسمعت قيادي في صحيفة يتحدث أنه مدعو للفطور مع وزير الدفاع فأرهفت السمع علني أعرف أخبار المائدة فعرفت أنه صحن بوش! والأكلة الأكثر شهرة لدى المراغنة هي الفتة التي لا يعرف أحد إن كان محمد عثمان الميرغني وأسرته يأكلونها أسوة بالخلفاء والمريدين في المناسبات العامرة. ولكن هذا لا ينفي وجود سياسيين ودستوريين لهم موائد عامرة لا تدخلها كلمة تقشف، فتجد في دعواتهم ما يكفي لعمل مأدبة زواج من مشاوٍ ومعجنات غزت الثقافة السودانية، كما دخلتها البوفيهات المفتوحة التي أطاحت بسياسة الصحن الكبير «مليان بركة».