أكثر من «900» كيلومتر تتبعناها بالطريق القاري الذي يربط شمال السودان بجنوب الوادي خلال زيارة عمل ميدانية مع الشركة السودانية لنقل الكهرباء، وقد حطت بنا الرحال عند آخر محطة بالسودان الشمالي، حيث تفصل بين الحدود السودانية والمصرية بوابة ضخمة يحيط بها سياج على مد البصر من السلك الشائك، وقد دونت في مفكرتي بعض الملحوظات المهمة، أجملها في الوضع المزري لقواتنا الأمنية وهي ترابط بذلك الثغر المهم، إذ وجدنا مجموعة محدودة من قوات الشرطة وقوات الشعب المسلحة يحتمون «بكرفانات» الجمارك التي شرعت في حفر ساس متواضع لم يعل عن الأرض كثيراً، ووجدنا جنودنا الأشاوس وقد تلفحوا ب «الميري» فقط، رغم أن درجة الحرارة كانت «7» درجات فقط. ووجدنا تلك المنطقة بلا حمامات أو مصادر مياه، كما أن السلك الشائك للحدود فقط، لذلك كانت الحيوانات المفترسة والذئاب تسرح وتمرح كما يحلو لها داخل حدودنا فقط. وبالمقابل وجدنا الإخوة المصريين وقد شيدوا بنايات فخمة وعلى طراز متقدم، وقواتهم المسلحة بكامل هيبتها وعتادتها وكاميراتها الرقمية، وسوف نفصِّل هذه المشاهد بإذن الله في موضع آخر وبالصور. وتألمنا كثيراً لحالنا وعدم احترام الدولة لحدودنا وقواتنا المرابطة على الثغور، بل لعدم احترام أمن البلاد كلها، فما أن قطعنا عدة كيلومترات من دنقلا حتى وجدنا موقعاً كبيراً للتنقيب، وهذا بدوره يتطلب أن تقوى الأجهزة الأمنية لننعم بالامن والاستقرار، فإن إخراج باطن الأرض للثروات يمثل «أطعمهم من جوع»، وتقوية السلطات الأمنية يمثل «آمنهم من خوف». أيضاً من الأمور التي انتبهنا لها في ذلك الطريق، أنه قد تم وضع علامات المرور بشكل جيد وواضح، ويبدو أن هذا الاهتمام جاء لخلل فني يتعلق بالهندسة المرورية بالطريق، إذ أنه توجد منحنيات بالغة التعقيد وعلى درجة من الخطورة لارتفاعها على هاويات مختلفة بين الصخور والجبال شكلت في مجملها وعورة خاصة في الليل الدامس، ورغم أنه طريق مرور سريع إلا أن به علامات تحدد السرعات لأقل من «60» كيلومتر في الساعة، ولاحظنا كذلك، ابتعاد نقاط التفتيش عن بعضها البعض، فإذا وقع حادث لا قدر الله في تلك المناطق فإنه سيكون بخسائر فادحة، خاصة أنه لا يوجد اتصال لارتفاع السلاسل الجبلية التي بإمكانها أن «تطش» أية شبكة.. وأيضاً لاحظنا أن لواري وشاحنات بحمولات عالية وزائدة ولا تمكن قائديها من الرؤية، تجوب ذلك الطريق وبسرعات عالية، بينما ظلت بصات وادي حلفا القديمة تسير بسرعات تفوق ال «170» كلم. أفق أخير ارحموا من في الحدود.. إنهم على الثغور.