حسب ما قاله فيليب أقوير الناطق الرسمي باسم جيش دولة الجنوب أمس، بعدم الانسحاب من الحدود المشتركة وإقامة المنطقة العازلة المنزوعة السلاح، فإن جوبا غير راغبة في التطبيق الفوري والمتفق عليه بشأن الترتيبات الأمنية واتفاقها المبرم بين البلدين وتنفيذ المصفوفة التي تم إعدادها والموافقة عليها في اجتماعات اللجنة السياسية الأمنية المشتركة. وتدعي حكومة دولة الجنوب أن الجيش السوداني لم ينفذ انسحاباً من الحدود المشتركة، وهو قول يناقض الواقع، فحكومتنا أعلنت عن سحب الجيش من المناطق الحدودية المتفق عليها، منذ أكتوبر الماضي عقب توقيع اتفاقية التعاون المشترك في أديس أبابا في 27/9/2012م.. واتخذت الحكومة هنا في الخرطوم إجراءات فورية بطرد قيادات المجموعات الجنوبية المعارضة لحكومة الحركة الشعبية في جوبا، واعتقلت بعضهم وأبعدتهم خارج السودان، ووضعت خطتها لإعادة نشر القوات المسلحة على طول الحدود البالغة حوالى ألفي كيلومتر، وبادرت دون أن تتلقى معاملة بالمثل، بفعل كل ما من شأنه جعل الاتفاق حقيقة واقعة وأمراً ملزماً. لكن حكومة دولة الجنوب ظلت تتذرع بحجج واهية وتتغافل وتتجاهل كل يوم تعهداتها والتزاماتها في الاتفاقية بالرغم من وجود المصفوفة بجداولها الزمنية وتوقيتات الانسحابات ووجود ضمانات من الوساطة الإفريقية التي تعلم كل صغيرة وكبيرة عما يجري بين البلدين وعلى الحدود المشتركة. وفي مقابل الانسحاب من طرف الجيش السوداني وتنفيذ الاتفاقية الأمنية، يحشد الجيش الشعبي التابع لدولة الجنوب قواته في عدة مناطق على الحدود ويهاجم مناطق بعينها في «14 ميل» ويستعد للهجوم على منطقة هجليج مرة أخرى كما جاء في أخبار اليومين الماضيين. والواضح لكل ذي عينين، أن حكومة دولة الجنوب لا ترغب في إحراز تقدم على الأرض في الاتفاقية الأمنية، وتتحين الفرص لإجهاضها، لكي تواصل دعمها للفرقتين التاسعة والعاشرة من الجيش الشعبي الموجودتين في جنوب كردفان والنيل الأزرق، والاستمرار في دعم ما تسمى قوات الجبهة الثورية المتمردة وحركات دارفور، وكل ذلك أملاً في أن تتمكن هذه القوات والحركات المتمردة من مواصلة الحرب وإسقاط النظام الحاكم في الخرطوم، وتجد دولة الجنوب في ذلك دعماً كبيراً من إسرائيل وبعض الدول الغربية ودول في الجوار الإفريقي مثل يوغندا. والذي لا تستطيع جوبا فهمه في هذا السياق، أن هذه اللعبة الخطرة ستكون نتائجها وبالاً وشراً مستطيراً عليها وتنزل بها أوخم العواقب، نسبة لهشاشة الوضع الأمني والاقتصادي والسياسي والاجتماعي في الداخل الجنوبي، ووجود قدرة كبيرة على إيذاء الجنوب من قبل الخرطوم لو أرادت ذلك.. فليست لجوبا أية مصلحة في مزيد من التعنت والتراوغ، ولا سبيل لها غير البحث عن تهدئة وحل الخلافات الأمنية وجعل الحدود آمنة، ففي ذلك نفع للبلدين وتفادٍ لشبح المواجهات والحرب الطويلة التي تستنزف الدماء والموارد الشحيحة، وثبت من تجربة هجليج السابقة وقبلها في أبيي و «14 ميل»، أن قوات الجيش الشعبي وحكومة الجنوب تخسر عسكرياً وسياسياً من الحروبات، وتضع نفسها أمام اختبارات من الصعب تجاوزها بسهولة وتنعكس على الوضع الداخلي الجنوبي.. ويصعب رتق فتوق الاهتراء الذي يحدث في علاقة وثقة البلدين في بعضهما، فهذه التكلفة العالية والهوة الكبيرة لا تستطيع حكومة الجنوب تحمّلها لو سدرت في غيها وغرقت في أوهامها.. وتنخدع حكومة الجنوب بالطنين الذي يصدر عن بعض القوى السياسية المعارضة والمجموعات التي اجتمعت في كمبالا وأعدت وثيقة الفجر الجديد، واستلقت على قفاها تحلم بدخول الخرطوم عنوةً واقتداراً.. ولو تابعت جوبا هذا السراب ستكون عاقبتها في النهاية عض أصابع الندم .