شهد مطلع التسعينيات اوج المواجهات العسكرية في جنوب السودان بين القوات المسلحة والمجاهدين بالدفاع الشعبي والحركة الشعبية لتحرير السودان بقيادة جون قرنق، ومن اشهر المجموعات القتالية في تلك المرحلة من عمر ثورة الإنقاذ الوطني مجموعة «السائحون» وتقدم ركب السائحون ثلة من المجاهدين في مقدمتهم الشهيد علي عبد الفتاح ولما كان العام «1994» تم حل مجموعة السائحون خشية أن تصبح طالبان السودان وذلك على خلفية المؤتمر الشعبي العربي الإسلامي الذي عُقد في الخرطوم في «1991» والذي جمع العديد من التيارات المعارضة بالدول الإسلامية والعربية لاسيما الإسلامية منها، وما بين منتصف التسعينيات إلى مطلع العقد الثاني من الألفية الثالثة جرت الكثير من المياه تحت جسر الإنقاذ وغمرته حتى كادت معالمه تختفي بين يدي مفاوضات اتفاقية نيفاشا «2005» التي كانت مجحفة في حق الشمال لصالح الجنوب وذلك باعتراف قيادات الحكومة فضلاً عن أن قبول السودان بانفصال الجنوب الذي استثمرت فيه الولاياتالمتحدة وإسرائيل ومن لف لفهما لم تجنِ البلاد منه شيئًا ليس على مستوى رفع العقوبات الاقتصادية والقانونية المفروضة عليها صراحة من الولاياتالمتحدةالأمريكية ونظيرتها المواربة من الاتحاد الأوروبي فحسب بل حتى على مستوى السلام الذي فقدته البلاد باندلاع الحرب من جديد في ولايتي النيل الأزرق وجنوب كردفان وتعنت دولة الجنوب في مفاوضاتها مع السودان حول القضايا العالقة وسعيها إلى التعاون مع حلفائها الغربيين لإصدار عقوبات جديدة على البلاد من خلال مجلس الامن الدولي في ظل هذه الظروف الضاغطة صدعت مجموعة السائحون بتوجه اصلاحي ارسلته باسم مبادرة «نداء الاصلاح والنهضة» وعمد القائمون بأمر المبادرة بعد الإعلان عنها للطواف بها على الأحزاب السياسية ومنها حزب الأمة القومي والمؤتمر الشعبي والإخوان المسلمين وهيئة شؤون الأنصار كما زاروا عددًا من الولايات وعقدوا لقاءات نوعية مع المجاهدين فضلاً عن قيادات الأحزاب بالولايات، وشملت لقاءاتهم أستاذة الجامعات والمعلمين والتجار أيضًا، ومن ضمن حراكهم الواسع يمَّموا شطر الصحافة للتبشير بمبادرتهم التي تستند إلى المرجعية الإسلامية لمشروع الإصلاح المنشود كما جاء في نص المبادرة، وذلك بالتطرق لقضايا النظام التربوي التعليمي والرهان على الحل الثقافي للمشكل السوداني فضلاً عن التنويه بضرورة إشاعة الحرية الثقافية المسؤولة والتركيز على كون الاعلام ركيزة لنشر الثقافة الكلية للمجتمع وبالتالي لا بد من كفالة حرية التعبير والاتصال الجماهيري وتحدثت المبادرة عن تفعيل دور المرأة السودانية والاهتمام بالشباب الذين يمثلون غالب السكان.. سياسيًا اشارت المبادرة لهشاشة الدولة والنظام السياسي ورسمت خطى محددة لإصلاح الخدمة المدنية وإقامة العلاقات الخارجية وفق رؤية إستراتيجية تحقق مصالح البلاد علاوة على إصلاح الأمن القومي، ولما كان السائحون كفكرة ومبادرة تجمع بين عضوية المؤتمر الوطني والمؤتمر الشعبي كثرت التساؤلات عن الجمع بين الحزبين رغم أن سياسة الشعبيين هي إسقاط النظام الحاكم إلا أن المسؤول الإعلامي بالمبادرة أبوبكر محمد يوسف قال ل«الإنتباهة» إن وسيلتهم للإصلاح هي منصة الحوار وإنهم ملتزمون بمخرجات الحوار مشيرًا إلى أن مبادرتهم مطروحة لجميع الأحزاب كما هي مطروحة للجبهة الثورية ولدى سؤاله عن كيفية التفاوض مع قيادات الجبهة التي اعتمدت وثيقة الفجر الجديد التي تتضمن فصل الدين عن الدولة وتقسيم البلاد إلى أقاليم تشير إلى تبييت النية لإلحاق بعضها لدولة جنوب السودان فرد بقوله إن كانت لهم وثيقة فنحن لدينا مبادرة وإن الحوار هو وسليتنا، وعمّا إذا كانت المبادرة تهدف لتوحيد إسلاميي الوطني والشعبي ذهب عضو المكتب التنفيذي للمبادرة محمد علي عثمان إلى أن همهم الأكبر هو الوطن، وإذا ما تحققت وحدة الإسلاميين في ثنايا ذلك الهدف الكبير فتلك محمدة بالنسبة لهم أصحاب المبادرة الذين جلسوا للأمين العام للحركة الإسلامية الزبير أحمد الحسن الذي أبدى ترحيبًا كبيرًا بالمبادرة وزاد بقوله أعينوني بمن يساعد في تطبيق المبادرة، أما حسن عبد الله الترابي الأمين العام للمؤتمر الشعبي فقد طالع المبادرة وطالب بلقاء آخر مع السائحون، وفي الأنباء أن شخصية رئيسية في القصر الجمهوري طلبت لقاء السائحون قالت إن الطريق أمام المبادرة لن يكون مفروشًا بالورود خاصة أن اصحاب المبادرة لا يراهنون على الجيل الحالي من السياسيين إنما يضعون آمالهم على جيل الشباب مما يعني الاصطدام بالحرس القديم للإنقاذ الذي استمرأ السلطة قرابة ربع قرن من الزمان ومن غير المتوقع أن يتنازلوا عنها بسهولة، وفي هذا السياق يشير أبوبكر إلى استعدادهم لكل الاحتمالات ولبذل التضحيات في سبيل مشروع المبادرة.. ويبقى أن مشوار الميل أربعين الذي وقعه السائحون بالدماء في تسعينيات القرن الماضي دفاعًا عن البلاد قد ألهمهم لإعادة الكرة مرة أخرى ولكن على أن يجاهدوا بني جلدتهم الذين نشأوا في كنفهم سواء القابضين على الحكم أو الساعين لإسقاطه فضلاً عن حملة السلاح.. ترى هل ينجح السائحون في امتحان الحوار كما أفلحوا من قبل في امتحان السلاح؟؟