لما قامت الثورة الشعبية في مصر وأطاحت نظام حسني مبارك بدأت أفراح المتفائلين بالثورة تعلو حتى عمت هذه الأفراح كل الدول التي كان نظام حسني مبارك أصبح مهدداً لوجودها وحسب ما كان يتبع النظام البائد من ممارسات أذكت روح العداء بصورة جماعية واستبشر الشارع السوداني خيراً بصعود مرسي للحكم، ورأت حكومة السودان في مرسي الصديق والخل الوفي وفي الأذهان المرجعية الإسلامية الموحدة لكل من الحزبين الحاكمين في السودان ومصر فكلهم ينحدر من الإخوان المسلمين لذلك كان تفاؤل السودانيين أكثر من غيرهم من شعوب المنطقة بنظام الحكم الوليد في مصر. فنشطت بذلك الدعوات القديمة الجديدة بضرورة إكمال ملف التكامل الشعبي بين البلدين بل وقد ذهب آخرون لأبعد من ذلك حينما نادوا بوحدة وادي النيل، وقد أخذت خطوات جادة مكانها في الساحة بين البلدين عقب التوقيع على ما يعرف بالحريات الأربع وذهب السودان لأجل تطبيقها إلى أبعد من خطوة حينما منح أراضٍ زراعية للمصريين في مشروع الجزيرة وغيره من المشاريع الزراعية الخصبة وسط تبريكات من الحكومة التي يتزعمها المؤتمر الوطني ورغم البرود والفتور الذي ظلت تواجه به الحكومة المصرية الكرم الحاتمي السوداني إلا أن الأخير استمر في منح ووهب هداياه بصورة تنم عن أمانٍ عميقة وهدف ظل ثابتاً ولم تتزحزح عنه حكومة السودان. ورغم هذا التفاؤل الكبير إلا أن الكثيرين يرون أن الدور المصري بدأ ضعيفًا تجاه تجويد العلاقة مع السودان قبل أن تصل مرحلة التكامل بل وأصبح الصوت الداعي للوحدة أكثر خفوتًا من أي وقت مضى، وقد أشار البعض إلى أن مصر بدت وكأنها لا ترغب في التواصل مع السودان حيث أرسلت عدة رسائل مبطنة وأخرى صريحة تمثلت في مواقف دولية وإقليمية وثنائية بينها وبين السودان. الرسالة الأولى: مصر ودعم يوغندا ويشير الكثيرون إلى أن موقف مصر خلال القمة الإسلامية الأخيرة التي انعقدت بالقاهرة كان سلبياً تجاه دعم السودان لنيل رئاسة القمة وكان مكان تساؤل واستفهام كبيرين خاصة أن السودان دخل إلى القمة ويحدوه أمل كبير في دعم مصر لجانبه بل وأنه كان مطمئناً لذلك وبنى آماله على أن ينال بقية أصوات الدول الإسلامية والعربية فكانت الخسارة الكبيرة غير المتوقعة بانحياز مصر إلى جانب دولة يوغندا ذات العداء الصارخ للسودان في كافة المحافل بل إن كمبالا ظلت تدعم المعارضة السودانية بكل ما تملك بالسلاح والإيواء وغيره والآن المعارضة السودانية تتخذ من أراضيها معسكرًا للإيواء وتدريب الجنود والمليشيات. فميلها لتغليب كفة أوغندا في تنافسها مع السودان لعضوية القمة الإسلامية كان بمثابة الطلقة الأولى التي صوبتها تجاه السودان حكومة وشعباً. الرسالة الثانية: الجنائية فيما يرى أخرون أن الاعتراف المصري بالمحكمة الجنائية وإعلانها المصادقة كان بمثابة رسالة واضحة لحكومة السودان وللرئيس البشير باحتمال تعامل مصر مع المحكمة بعد أن أصبحت عضوًا لتقطع الطريق أمام البشير بإيجاد الدعم والنصرة منهم رغم التطمينات المصرية في هذا الصدد، ويأتي ذلك في الوقت الذي يعبي السودان قواه الدبلوماسية في الدول التي يظن بأنها صديقة ويمكن أن تعضد موقفه في مواجهة المحكمة التي لم تعترف بها حتى الولاياتالمتحدة رغم أنها تسوق أحكامها عبر مقاضاة البشير ولكن لم يكن ليتصور أحد أن تتخذ مصر هذا الموقف تحديدًا رغم الظروف المفصلية التي يمر بها البلدين.. الرسالة ثالثة: زيارة السودان بعد تعاقب زيارات الرئيس مرسي لمعظم الدول يلاحظ أنه لم يقم بزيارة السودان وكما هو ملاحظ فإنه ومنذ أن وصل مرسي للحكم في مصر قام الرئيس البشير بزيارته وتهنئته ووصلت إلى القاهرة الكثير من الوفود الدبلوماسية والدستورية السودانية ولكن لم يحصل أن قام مرسي بزيارة السودان رغم أنه قام بزيارات للعديد من الدول حتى إيران التي يتخذ العرب منها موقفًا قصيًا باعتبار أنها عدو، وكذا أمريكا.. ويرى خصوم مرسي أن زيارته لطهران كانت بإيعاز من أمريكا لتسوية بعض الملفات.. وكل هذه المواقف تفرض أسئلة حيرى على الصعيد السوداني عن مستقبل العلاقة مع مصر في ظل هذه الضبابية والمواقف التي رسمت بدورها استفهامات عريضة لم تجد الدبلوماسية سبيلاً لمعالجتها رغم ما بذلته الحكومة السودانية من جهود. الرسالة الرابعة: دعم التمرد وبالأمس قامت الحكومة المصرية باستقبال وفد حركة الحرية والعدالة المتمردة في السودان وأكدت لهم من خلال ممثل الحكومة المصرية ومساعد مرسي الخاص وليد حداد والذي كثيراً ما ابتعثه لتحقيق مصالح غاية الخطورة للحكومة المصرية أكد لحركة الحرية المتمردة دعم مصر لهم وأن الحكومة المصرية تقف معهم قلباً وقالبًا وذلك لأنهم في مصر يدعمون الحرية وتحرير الشعوب من الظلم وأكد وليد أن مصر الثورة تقف دائمًا مع تطلعات الشعوب من أجل الحرية والديمقراطية ولم تقف دعوة حكومة مصر إلى هنا بل أعربت عن أملها في ضرورة أن تستمر اللقاءات بين الطرفين حتى تتضح الصورة ويتم التواصل بين كل القوى السياسية في الساحة السودانية حتى تتحقق تطلعات الشعب السوداني في الحرية والعدل والمساواة والديمقراطية والكرامة الإنسانية. ورغم أن هناك من يقول إن اعتبارات الجغرافيا ومسارات التاريخ وحركة البشر قد نسجت علاقة خاصة بين البلدين، على نحو ربما لم يتيسر لشعبين آخرين في المنطقة، وأن هناك ثوابتًا وأسسًا للعلاقة بينهما يظل من الصعب الخروج عليها، حتى في ظل تغير الظروف والسياقات السياسية. إلا أن العقل الرسمي المصري وما رسمه من سياسة تجاه السودان في الآونة الأخيرة ظلت محل استفهام وثمة محددات لا تخطئها العين حول طبيعة العلاقات المصرية السودانية، بدأت هي الأخرى تأخذ مجراها في الساحة. ورغم ذلك يظل المتفائلون هنا وهناك يرددون بأن السودان هو العمق الإستراتيجي الجنوبي لمصر، إن ما يعانيه من صراعات وأزمات تهدد وتؤثر سلبًا على الأمن القومي المصري، ومن هنا تبرز أهمية السياسة المصرية تجاه السودان، وبالتالي على المصالح المصرية المهددة بفعل أي تمزق أو انفجارات.