كتبت: هادية قاسم المهدي - تصوير : متوكل البيجاوي تعتبر مكتبة العلامة عبد الله الطيب ضمن المكتبات الخاصة التي لها وزنها، والتي تحوي أعدادًا كبيرة من الكتب، حيث كانت قبل ما يقارب العشر سنوات في أرفف منزله بحي بري بالخرطوم، وذلك بحياة العلامة، واليوم هي جزء من مكتبة كلية الآداب بجامعة الخرطوم. وتعتبر هذه المكتبة إضافة حقيقية لمكتبة الآداب، سيما وأن العلامة لم يكن يختار كتبه اختيارًا عشوائيًا وإنما كان يصطاد الكتب القيِّمة، ويكفي دليلاً على ذلك ثقافته وعلمه اللا محدود. «نجوع» رأت أن تبحث عن هذه الجوهرة، وعن الطريقة التي تم بها جمعها، وقصة البروفيسور عبد الله الطيب مع الكتاب والكتابة، فطرقت أبواب جريزلدا وهي أرملة العلامة التي شاركته في رحلته المعرفية الطويلة، حيث كانت سندًا له وترياقًا طوال سنوات عمره. مدخل في تمام التاسعة والنصف كان موعدي معها، وصلت قبل الموعد المحدَّد، استضافتني في منزلها بحي بري، كانت دهشتي حاضرة، وأنا أتطلع من حولي لكل زوايا منزل العلامة، ولكأنني كنت أسمع صوته، أتخيله وهو منكب على الكتب ليقرأ، فاجأتني وهي تضع كوبًا من القهوة؛ فغضضت بصري وصمتت دهشتي. تقديرًا للكتاب بدأت أسألها عن مكتبة العلامة، فقالت: «كان هذا المنزل مليئًا بالكتب، لدرجة أني لا أعرف عددها، فكنا كلما نذهب إلى القاهرة يقوم الدكتور بشراء الكتب القيِّمة والنادرة، حيث تشمل كتبه اللغة العربية، النقد، وكتب التاريخ والفلسفة، وكتب التفسير، والدواوين الشعرية. كما كانت لديه كتب الإنجليزي، وكان يهتم باللغة الفرنسية وكتب الفلسفة بالإنجليزية. وكان يعطي الكتاب اهتمامًا مقدرًا فمثلاً حينما يتمزق يرسله لقسم التجليد بجامعة الخرطوم لتجليده وتواصل باسمة «إلا أن عبد الله كان ينسى كتبه في التجليد ومن ثم يتم الاتصال به حتى يذهب لاستلامها». ارتباطه بالقراءة وتحكي جريزلدا عن ارتباط البروفيسور عبد الله الطيب بالقراءة حتى آخر لحظات في حياته، فتقول حينما كان «مشلولاً» لا يستطيع الحركة ولا الحديث كان يطلب كتبه ليقرأها، وذلك عبر كتابته بيد راجفة لاسم الكتاب الذي يود قراءته. كما كان يفيق منتصف الليل ليقرأ، وكثيرًا ما يجلس على الأرض عند القراءة وأحيانًا يكتب وهو راقد على سريره. وتضيف أنه عندما يقرأ كان يضع أمامه علبة من «السجائر» إلا أنه تخلى عنها، وتروي قصة تركه للسجائر: «كان أحد أصدقائه مولعًا بشرب السجائر، لدرجة أثرت في صحته، وكانت سببًا في وفاته، وعندما علم عبد الله الطيب بالأمر «خاف» وتركها». بدايته مع جمع الكتب أما طريقة جمعه للكتب فتقول عنها إن الدكتور بدأ في جمع كتبه منذ أن كان طالبًا يافعًا، وكان يشتري الكتب حسب استطاعته ودخله المحدود وقتها، وكان كلما سافر لبلد ما أول ما يفعله هو شراء الكتب، كما أن هنالك كتبًا كانت تأتيه كهدايا من أصدقائه داخل السودان وخارجه من المجمع اللغوي، وكان بعد شهرته كلما كتب تقدمة لكتاب أحد المؤلفين؛ أهديت له نسخة. في تسفاره وتقول جريزلدا إن العلامة عبد الله الطيب كان في أوقات تسفاره يستلف بعض الكتب من أصدقائه لقراءتها، ثم يعيدها إليهم، وحكت عن استلافه لكتاب من أحد أصدقائه بالمغرب، حيث تسلل خلسة وأتاه بالكتاب، حيث كانوا لا يُطلعون أحدًا على مكتباتهم على الإطلاق بعكس ما يحدث في السودان، وتقول في ذلك خصوصية لا يمكن لأحد ان يخترقها، وإن المكتبات الخاصة في المغرب لا تُعرض في أرفف وإنما تكون في شكل «خزنة» يقفل عليها جيدًا حتى لا يضيع منها كتاب. وصية العلامة ترك العلامة وصية صوتية يقول فيها إنه وهب مكتبته الخاصة لكلية الآداب بجامعة الخرطوم. وبعد وفاته بعامٍ واحد بعثت جريزلدا بخطاب لجامعة الخرطوم تخبرهم فيه بوصية الراحل، ومن ثم ذهبت بنفسها لقسم اللغة العربية حتى يأتوا لحمل الكتب، وبالفعل هذا ما تم، حيث نُقلت مكتبة الدكتور لكلية الآداب. وعود وتكشف عن التزام الدولة ممثلة في النائب الأول لرئيس الجمهورية بطباعة كتبه على نفقتهم، إلا أنها تقول: إن ذلك لم يُنفَّذ. وكذا عمل مركز للغة العربية باسم عبد الله الطيب بدامر المجذوب والذي تم سحبه قبل البدء فيه وكان ذلك بحياة الراحل. وتثني جريزلدا على معهد العلامة عبدالله الطيب للغة العربية بجامعة الخرطوم لمجهوده في رفع اسم العلامة، وذلك من خلال الندوات العلمية والثقافية التي يقيمها بواقع مرتين خلال الشهر. وكشفت في أواخر حديثها عن هبتها بعد وفاتها لمنزلها الكائن بالعمارات شارع «17» لكلية الآداب كمنحة دراسية للطلاب.