ردني الكاتب الجمهوري، عيسى إبراهيم، الذي سقط من أول مقال، كرة أخرى، إلى موقع حزبه الإلكتروني، لأستوثق من أن شيخه الضال المضل، الذي سرق أفكار ابن عربي الحاتمي، صاحب عقيدة وحدة الوجود، لم يكن قد اطلع على أفكار ابن عربي أصلاً. مفكر لم يقرأ لأي مفكر! قال الكاتب:« يقول وقيع الله عن الأستاذ محمود: «وفي خلال ذلك وبعده واصل محمود إطلاعه العلمي واغترف كثيراً من تراث الفلاسفة الغربيين، ورجال التصوف الإشراقي» من أين لك ذلك يا د. وقيع الله؟!.. ألست باحثاً مفترضاً فيه جدية البحث والصبر عليه والوصول إلى المعلومة الصحيحة لنزاهة البحث وإنصاف الخصم، أين مراجعك يا وقيع؟!، فإن لم تأت فها نحن نزودك بالمعلومة من مصادرها الأمينة: في ديسمبر من عام 1972م كانت إليزابيث هودجكنز، طالبة الدكتوراة بقسم التاريخ بجامعة الخرطوم، وقتئذٍ، قد أدارت حواراً مطولاً مع الأستاذ محمود، ونشر الحوار بصحيفة «الصحافة» آنئذ». ووقفت إليزابيث في حوارها مع الأستاذ محمود، من بين ما وقفت عليه، عند الذين تأثر بهم الأستاذ محمود وعند قراءاته، وذلك من خلال سؤالين، تقول في الأول: «نعود الآن إلى شخصك .. من هم المفكرون الذين تأثرت بهم في تطوير أفكارك؟». والسؤال الثاني: «هل قرأت لمفكرين إسلاميين؟». فأجاب الأستاذ محمود قائلاً: «في الحقيقة لا يوجد مفكرون بالمعنى الذي كان لهم أثر علي حياتي. ولكن هناك أصحاب مناهج هم الذين تأثرت بهم وهم النبي.. والغزالي.. فلقد اتبعت المنهاج وقرأت شيئاً قليلاً.. شذرات من هنا وهناك، ولهذا لا أقول بتلمذتي على مفكر معين». وعن قراءاته أجاب الأستاذ محمود قائلاً: «لم أقرأ لمفكرين إسلاميين طبعاً ولكن قرأت قليلاً لماركس ولينين وبرتراند راسل وشو وهج وولز.. والموضوع الذي جئت به لم يأت به السابقون حتى ولا ابن عربي فهو جديد كل الجدة». ألا يوجد جمهوري رشيد؟! وهذا كلام قد قرأناه وعجبنا له قديماً يوم صدر، ولا نحتاج إلى إعادة تفطين به. ولعل أول من عجب له، من سمعه أول مرة، وهي هذه الصحافية الأوروبية، التي لا يمكن أن تصدق أن شخصاً، يعمل بالفكر والثقافة، لم يتأثر بأحد، ولم يقرأ لمن سبقه في المجال الذي يبحث فيه. فالصحافية والأكاديمية اليزابيث هودجكنز، التى لا بد أنها عقلانية مثل أهلها الأوروبيين، تدرك تماماً أن هذا من المحال، وأبعد من المحال. وأنه زعم يستسخف، ولا يُصدَّق. لأن العلم يتوارث، ولا يؤخذ كله بديهة، أو بصيرة، أو إلهاماً، أو فيضاً، أو وجداً، أو إشراقاً، أو كفاحاً. فالقليل من العلم يأتي عن المصدر الحدْسي للمعرفة، وأكثره يأتي بالتعلم، كما قال، الصادق المصدوق، رسول الله، صلى الله عليه وسلم. والضرب المعرفي الوحيد، الذي لا بد أن يدرس مع تاريخه، هو الضرب الفلسفي. فليس من البر بالطلاب أن تشرح لهم أفكار فيلسوف ما، على نحو منقطع عن سلسلة تطور الفكر الفلسفي المعروف. فكل فيلسوف له صله انتفاع بمن سبقوه، ولا ريب أنك لا تستطيع أن تدرس الفيلسوف الألماني ماركس دراسة جادة، مثلاً، إن لم تدرس قبله آثار الفيلسوف الألماني هيجل. ولن تستطيع أن تدرس هيجل دراسة محكمة، إن لم تدرس قبله أفلاطون. وبالمثل لن تتمكن من أن تفهم أفكار الفيلسوف السوداني محمود محمد طه، فهماً صحيحاً، إن لم تدرس أفكار الفيلسوف الأندلسي محيي الدين دراسة ثاقبة. ثم لنقبل على مجادلنا هذا «الدوغمائي» الجمهوري، الجامد، الضئيل العقل، ونسأله: كيف عرف محمود محمد طه، أن محيي الدين بن عربي، لم يقل بما قال هو به، إن لم يكن قد اطلع على فكر ابن عربي، وعرف جميع ما ذكره هذا الفيلسوف، في كتبه الكثيرة، التي قد تزيد عن عشر آلاف من الصفحات؟. وهذا سؤال، لا شك أنه لم يخطر على بال هذا الجمهوري، الجامد، الهزيل العقل، من قبل!. ولم يخطر لجمهوري مثله، من قبله، أو بعده!. ولو كان هنالك شخص جمهوري، «ذكي»، كبير العقل، لخطر له هذا السؤال القتَّال. ولكن، ومن يدري، ربما لا يوجد شخص جمهوري، ذكي، حر العقل، في هذه الدنيا العريضة كلها. أو ربما وجد هذا الشخص الجمهوري، الذكي، ولكنه افتقد فضائل الشجاعة، والجرأة، والجدية، التي تدفعه لكي يسأل نفسه، ثم يسأل شيخه هذا السؤال. فيقول لشيخه «ولو بأدب جم!»: يا شيخنا كيف عرفت أن محيي الدين بن عربي لم يقل من قبل بما تقول به أنت الآن، لاسيما وأنك لم تقرأ كتابات ابن عربي، ولم تعرف ما فيها؟!. ويحدث شيخه «ولو بأدب جم!»: يا شيخنا، لا ريب أنك تدرك أنه ليس من الحكمة في شيء، ولا من المنطق في شيء، أن تتحدث بجزم عن شيء، اعترفت سلفاً بأنك لا تعرفه، وهو فكر الشيخ «الأكبر» محيي الدين؟!. وطبعا لو وجد شخص، ذكي، شجاع، واحد، في قطيع الجمهوريين المطيع، لكان قد أذهل شيخه، وألقمه حجراً بهذا السؤال القتَّال، وألجمه عن المقال. ولكن أنَّى لبشر، مستغفَلين مغفَّلين، يظنون أن شيخهم، قد بلغ مرتبة الألوهية العظمى، أن يتجرأوا عليه بسؤال، ولو كان من مستحق المقال؟!