والعام الدراسي يمضي حثيثاً نحو نهاياته التي خُتمت بالفعل بالنسبة لبعض المراحل الدراسية كمرحلة الأساس التي لم يتبق في حرمها الذي ضج بوهج الصغار، وامتلأ بصخبهم وعنفوان حضورهم شهوراً عدداً ابتدأت كالعادة منذ نهايات يونيو من العام الماضي، نقول لم يتبق داخل صفوفها سوى أبناء السنة الثامنة الذين يُفترض أن يجلسوا لامتحانات الشهادة الصغرى بعد أيام قلائل لن تزيد عن ثمانية عشر يوماً بحسب تقويم وزارة التربية والتعليم. ونأمل ويأمل كل من يتطلعون لهذه الامتحانات أن تكون جسراً يعبر عليه الأبناء الى مراحل جديدة في حياتهم، تفتح لهم آفاقاً أرحب وتؤهلهم لمدارج أعلى في ُسلَّم الحياة الأكاديمية، وبالمقابل يمضي العام الدراسي الآن وطلابنا في المرحلة الثانوية العليا في مختلف المساقات والتخصصات والفصول الدراسية يعبرون امتحانات نهاية السنة بقلوب ترنو الى المستقبل وتودع عاماً كاملاً من التعب والتحصيل والدرس، ويحلمون بتغيير ربما تحمله مقبلات الأيام. ولهذا ولذاك فإن طعم ورائحة هذه الأيام يختلف تماماً عن طعم ورائحة بقية أيام العام، فكل شيء يسير بوتيرة غريبة تتداخل فيها الكثير من المشاعر المتضاربة، ففيها من الفرح والشجن والأمل واليأس والحزن والرهق ما يكتب صفحات في دفتر العمر لكل من يمر بها، وهم كُثُر بدءاً من الطالب نفسه، مروراً بالأسرة وحتى الأسرة الممتدة، ثم الجيران ومن قبلهم ومن بعدهم الأسرة المدرسية التي أصبحت الآن شريكاً متعاظماً ليس في العملية التعليمية فقط، بل وفي عملية الدرس والاستذكار بكل توابعه، وذلك للكثير من الأسباب والدوافع التي ربما يُستساغ بعضها ولا يُستساغ الآخر، غير أنها ومهما تكن فقد أصبحت واقعاً نحمده ولا نكاد في كثير من الأحيان نستقصي دوافعه طالما أنها تصب في بئر المنفعة المشتركة. لقد حضرت في الأسبوع قبل الماضي ورشة عمل، أو ربما يجوز أن نطلق عليها دورة تدريبية عن كيفية التعامل مع طلابنا الممتحنين، وقد كانت بعنوان «إستراتيجيات التعامل مع الطالب الممتحن»، وهي دورة أعدتها إحدى مدارس أبنائي استعداداً للعام المقبل، حيث تتم تهيئتهم وتهيئة الأسر بنفس القدر لامتحان الشهادة السودانية إن شاء الله. لقد راقتني الفكرة جداً، ووجدت فيها عملاً يستحق العناء، فالتحصيل الأكاديمي هو عملية تراكمية للعديد من المكونات التي تتلاقح لتعطي في النهاية الثمرة المطلوبة. وفي هذا يتلاقى العامل النفسي والجسدي بالعامل الاجتماعي والأكاديمي وغيره من العوامل لتنتج في النهاية بيئة قد تكون خصبة وقد لا تكون لطرح الثمار المرجوة. وبالرغم من قصر الدورة التدريبية إلا أنها ناقشت العديد من القضايا المهمة. حيث تمت الاستعانة بخبراء في التنمية البشرية لتقديم بعض المحاضرات، كما وتم إعداد كُتيِّب حوى الكثير من الأفكار والبرامج التي تساعد على إدارة الوقت، وبالضرورة على إدارة نفسية الطالب قبل وأثناء الامتحانات، مع مراعاة كل المؤثرات الخارجية التي يمكن أن تؤثر في هذا الأمر. وهو شيء نكاد لا نلتفت إليه كثيراً في غمرة لهاثنا وراء أن يحصد الأبناء تحصيلاً يؤهلهم لتحقيق أحلامهم وأحلامنا. إن الحالة النفسية للطالب والاهتمام بمتطلباتها هو أمر يجب أن يكون في المقام الأول عند ترتيب أولوياتنا في ما يخص اهتماماتنا بأبنائنا الممتحنين، فهي إن لم تؤثر في «كم» تحصيلهم فإنها بلا أدنى ريب تؤثر في نوعيته، وتأتي الثقة بالنفس وتدعيمها كأول ما ينبغي أن نزرعه في نفوسهم. إن هذه الأيام وامتحان الشهادة السودانية يقترب حثيثاً وكذلك امتحان مرحلة الأساس يشهد فيها أبناؤنا الممتحنون عوامل ضغط نفسي كثيرة قد تبدأ بالإحساس بأن كل ما قرأه الطالب أثناء العام هو لا شيء مقارنة بما ينتظره داخل غرفة الامتحان، وقد لا تنتهي بالخوف اللامنطقي من فكرة الامتحان نفسها، إضافة الى العديد من المحاذير والمخاوف التي تتكاثر وتتوالد في نفس الطالب شاء ذلك أو لم يشأ!! ولذلك فإن هذه الفترة هي تحديداً ما يميز من يمكنه تجاوز عقبة الامتحان بعزيمة قوية ممن سينهار قبل بلوغ ذلك، وعليه فإن الدعم المعنوي للأبناء هو كل ما يحتاج إليه الطالب الآن، بغض النظر عن مستوى تحصيله، فالثقة بالنفس هي أهم ما يورث النجاح، وكم من مجتهد ضاع جهده نتيجة لتردد أو خوف. ونتمنى أن تمر فترة الامتحانات على خير ما يرام للجميع أسراً وطلاباً ومعلمين، فهي من أصعب الأوقات على الجميع بلا استثناء، وأهم ما يجب أن نتذكره بدايةً ونهايةً ونذكر به أبناءنا، أن النجاح في الحياة لا يعني فقط الشهادة الأكاديمية العالية الدرجات، كما أن عدم الحصول على النتيجة المطلوبة في الامتحان لا يعني نهاية العالم، بل ربما يكون ذلك بدايةً أفضل لوضع أجمل بكثير، وجماع كل ذلك الثقة بالله أولاً وبأنفسنا آخراً وأخيراً.