حوار: المقداد عبد الواحد تصوير: متوكل البجاوي قال لي: «إن الملكة اليزابيث وعندما زارت السودان في الستينيات طلبت زيارة مشروع الجزيرة وكلية الفنون التي قالت فيها «سوف أرى السودان من خلالها»! وقال: «أنا مع حرية الفن تمامًا، لكن في حدود ما تسمح به عاداتنا وتقاليدنا وأخلاقنا والفن لا يمكن أن تخرج به من بيئتك وأنت تأخذ ما يليك ويتوافق مع بيئتك وعقيدتك ولا يخدش الحياة، والفن رسالة سامية جدًا وعندما أقول رسالة سامية فإن ما دون ذلك يسقط»! ذلك هو الدكتور عمر محمد الحسن درمة عميد كلية الفنون الجميلة والتطبيقية بجامعة السودان.. الذي جلسنا إليه وحدَّثنا عن كلية الفنون وعن الخط العربي والخريج ومشروعات الخريجين.. درس ضيفنا في قسم الخطوط والزخرفة الإسلامية بكلية الفنون الجميلة والتطبيقية جامعة السودان ونال درجتي الماجستير في الفنون والدكتوراه في الفنون الإسلامية من كلية الفنون الجميلة بجامعة معمار سنان بتركيا، وشغل العديد من المناصب، تدرج من رئيس قسم إلى أن صار عميدًا لكلية الفنون الجميلة والتطبيقية، هو عضو لعدد من جمعيات الخطاطين في كل من الإمارات وتركيا وإيران، مثّل جامعة السودان وكلية الفنون في الخارج في عدد من الفعاليات، نال الجائزة الدولية في فن الخط العربي، له العديد من المساهمات في العمل الصحفي كما صمم العديد من الشعارات وعناوين الكتب، له إسهامات كثيرة خارج السودان، أقام العديد من المعارض بالداخل والخارج.. * بدأت كلية الفنون بستة طلاب فقط والآن تزايد العدد وبلغ المئات بالمقابل، هل رافقت ذلك نقلة نوعية فيما يلي مخرجات الكلية؟ - بالفعل بدأت كلية الفنون بستة طلاب وكان ذلك في «1946م» في كلية غردون التذكارية «جامعة الخرطوم حاليًا» وبعث بعض هؤلاء الستة إلى بريطانيا لنيل دراسات عليا في الفنون وتزايد العدد ثم عادوا إلى السودان وشرعوا في إعداد المناهج خاصة أنهم أخذوا المنهج البريطاني في الفنون، وفي العام «1950م» تأسس معهد الخرطوم الفني، وفي «1951م» نقلت كلية الفنون إلى المعهد تحت مسمى مدرسة الفنون الجميلة وبدأ عدد الطلاب يتزايد من «14» إلى «20» و«27» وهكذا إلى أن أصبحت الكلية تقبل «140-160» طالبًا في الدفعة.. * إبداعات خريجي الكلية منذ نشأتها هل وجدت جهات تستوعبها وتحولها إلى واقع معيش؟ - هذا سؤال وجيه، والكلية تقيم سنويًا معارض لإبراز إبداعات طلابها وندعو جميع الشركات والمؤسسات المهتمة بهذا المجال خاصة في مجال تصميم الشعارات والتصميم الصناعي الذي يقدم حلولاً لمشكلات التصميم التي لا تلائم البيئة السودانية، وتقام المعارض ويندهش الزوار ويعجبون جدًا بها «وياخدو التلفونات والعناوين وبعد داك لا حس لا خبر» و لا يكون أمام الطالب إلا الاجتهاد الشخصي، ومن الخريجين من يقوم بفتح مكاتب خاصة والآخرون يتجهون إلى مجال تدريس مادة الفنون. وإلى الآن نظرة المدارس مازالت متأخرة تجاه مادة الفنون، وهذا سبَّب لنا إشكالات كثيرة جدًا.. ففي السابق كانت مادة الفنون والموسيقا تدرَّس منذ الابتدائي وكان هناك اهتمام كبير جدًا بها، أما الآن فلا يوجد اهتمام من المدارس بمادة الفنون مع أنها مجازة من وزارة التربية والتعليم وصدر قرار يفيد بتدريسها لكن الواقع غير ذلك الآن.. و معارض الفنون يزورها طلاب الفنون أو خريجوها فقط أما الآخرون فيقولون «لا نفهمها» وهذا ناتج عن أنهم منذ الصغر لم يتعرفوا عليها ولم يدرسوها بينما الجيل السابق كان يعرف معنى ومضمون الفنون ويتفاعل معها كثيرًا وهو ليس بدارس لكلية الفنون وإنما تعلمها في المدارس، وأقول إن على وزارة التربية والتعليم أن تلتفت إلى مادة الفنون وتحسين الخط العربي.. * نعلم أن دراسة الفنون مكلِّفة.. حدِّثنا عن المعينات التي تقدَّم لطلبة كلية الفنون حالياً؟ - ما ينطبق على كلية الفنون ينطبق على باقي الكليات، وميزانية كلية الفنون تأتي من الجامعة والجامعة تدعمها الحكومة بنسبة «30%» فقط! في السابق كان يتوفر للطالب كل مايحتاج إليه لكن الآن عالميًا أي طالب يوفر معيناته الدراسية بنفسه و شاهدت ذلك في تركيا، فكلية الفنون التي حصلت منها على الدكتوراه لا تمنح الطالب ولا حتى قلم رصاص، ومعروف أن دراسة الفنون مكلِّفة جدًا وفي كل العالم دارس الفنون يكون وضعه المادي بعد التخرج أفضل بل ممتاز، لكن في السودان للأسف العكس هو الصحيح، وقد أجريت دراسة في الجامعات عن أكثر دراسة مكلفة فكانت هي دراسة الفنون والموسيقا، وفي كل العالم الفنون تعتبر أهم دراسة ويتهافت عليها الجميع لكن في السودان غير ذلك، لكن ومع ذلك كله الكلية استطاعت أن تقدم للمجتمع كثيرًا خاصة من خلال الدراسات الميدانية ومعارض التخريج السنوية ومن ذلك أن وحدة السدود دعمت الكلية فيما يلي الدراسات الميدانية منذ العام «2002م» في مشروع سد مروي حيث طلبو توثيق طلاب الكلية للمشروعات والمناطق التي ستغمرها المياه بالفرشاة واللون وليس بالكاميرا وأبلى الطلاب بلاءً حسنًا في ذلك وبشهادة وحدة تنفيذ السدود التي أصدرت في ذلك كتبًا وكان عملاً رائعًا.. * ما هي الإشكالات التي تواجه خريجي الكلية ومشروعاتهم؟ في التسعينيات كان عدد طلاب الكلية لا يتعدى الستين طالبًا وكانت الجامعة تستطيع توفير الدعم للمشروعات أما الآن فقد زاد العدد كثيرًا أضف إلى ذلك أن مشروعات الطلاب مكلفة للغاية فالآن مثلاً في قسم التصميم الصناعي تحتاج إلى مبلغ كبير جدًا حتى تنفذ مشروعًا واحدًا، فالكلية تقدِّم الدعم للطالب بنسبة محددة والباقي يكمله الطالب من اجتهاده الخاص، فطالب الفنون يكلف الجامعة سنويًا «7» آلاف جنيه. * في فترة ما كان هناك عدم تقدير لفن النحت، هل هذه النظرة موجودة إلى الآن وهل أثرت على تقدم ذلك الفن إن جاز التعبير؟ - هذا الرأي كان من جهات معينة لها رأيها في النحت ولم يؤثر ذلك في فن النحت، والدليل أن قسم النحت مرغوب الآن لدى الطلاب بصورة كبيرة جدًا كما أن ذات القسم يحظى بمتابعة الزوار له في المعارض ودائمًا ما يكون قسم النحت في الكلية هو الأول في الإبداع، والأزهر الشريف وفي العام الماضي افتى بأن النحت ليس بحرام وإنما حلال «وإنما الأعمال بالنيات»، كما أن العقل البشري تطور كثيرًا «فلا يعقل أن ينحت الإنسان تمثالاً من طين أو فايبر ويقول إن هذا التمثال قد خلقني أوسوف أعبده» وقديمًا وعندما حرم كان ذلك خوفًا من الردة وكذلك فإن النحت لا يقتصر على جسم الإنسان فقط بل يتعداه إلى النحت على الخشب والحوائط ومن ذلك زخارف المساجد ومنابرها وغيرها فالطالب يكتسب مهارة النحت ويطوعها وقسم النحت برامجه مجازة من التعليم العالي وبساعاته الدراسية المعتمدة والطلاب الذين يدرسون في هذا القسم أكثر تدينًا والتزامًا. * من أهم ما يميز الفن التشكيلي في السودان هو «الخط العربي»، حدِّثنا عن ذلك؟ -الخط العربي هو الفن الوحيد الذي لم يتأثر بأي ثقافة غربية وهو فن حير وأدهش كل المهتمين أو المشتغلين بالفنون في الغرب، فهذا الجمال الذي يزين الحرف العربي غير موجود في أي حرف في أي لغة في العالم، وقد حاولوا تقليده ولكن لم يستطيعوا لأن في الحرف العربي سرًا محددًا وفي السودان وفي فترة ما كان هناك اهتمام كبير جدًا بهذا الفن ولكن للأسف «أمورنا دايمًا معكوسة ليه ما عارف» الآن نهض هذا الفن في كل الدول التي سبقناها قديمًا وتلك التي علمناها إياه وفي السودان هذا الفن لا يجد أي اهتمام لكنه يحتفي به في دول الخليج الآن وقبلها دول السعودية والإمارات وسوريا والعراق تقام فيها ما لا يقل عن «5» الى «6» فعاليات في العام. وتتم دعوة الخطَّاطين العرب في ورش وسمنارات بل تعدى الاهتمام به إلى الدول المسلمة الأعجمية كايران وتركيا وفي السودان للأسف الشديد الجهة الوحيدة التي تدرس الخط العربي هي كلية الفنون .