لا يزال انتشار الأسلحة الصغيرة والأسلحة الخفيفة يهدد بشكل خطير السلام والاستقرار والتنمية بالبلاد، وحظيت المشكلة بإدراك متزايد من قبل الجهات المسؤولة، فقد أسهم انتشارها في إشعال فتيل الحرب والصراعات والعنف بين القبائل والجماعات المسلحة والعصابات، مما شكل تهديداً للأمن القومي، وبرزت إلى حيز الوجود مبادرات عديدة لمواجهتها منذ اعتماد برنامج العمل لمنع الاتجار غير المشروع بالأسلحة الصغيرة، ومكافحته والقضاء عليه من جميع جوانبه، وبرز في معظم الدول الإفريقية التي شهدت موجة من الاضطرابات والنزوح واللجوء، انتشار واسع للأسلحة الصغيرة بسبب عدم سيطرة الدولة على الوضع الأمني، كما جرت العديد من المفاوضات بشأن صك دولي ملزم قانوناً للحد من انتشار الأسلحة، إلى جانب وضع علامات للأسلحة وعلامات أخرى تمنع أنشطة السمسرة غير المشروعة ومكافحتها والقضاء عليها، ولم يكن السودان بعيداً عن هذه الصراعات، حيث ظل يعاني من الحروب لأكثر من «20» عاماً مع حركات التمرد الجنوبية، إضافة إلى حروب قبلية وأهلية في أجزاء متعددة من البلاد، الأمر الذي أدى إلى انتشار واسع للأسلحة الصغيرة والخفيفة على الحدود وفي أيدي عصابات النهب المسلح والأفراد غير المنضوين تحت لواء القوات النظامية، إلى أن جاءت اتفاقية «سلام نيفاشا» التي وضعت من ضمن بنودها إيجاد حل بنزع السلاح من أيدي غير النظامين بالطريقة التي تراها الحكومة، وفي خطوة جادة لمفوضية نزع السلاح والتسريح وإعادة الدمج حول مساعدة الحكومة على تسريح وإعادة دمج المقاتلين وتحقيق الأمن على المستوى المحلى وضبط الأسلحة، رأت المفوضية أنه لا بد من تقديم القائمة الكاملة بعدد الأسلحة التي جمعتها القوات المسلحة والجيش الشعبي حسب المنطقة والوحدة الإدارية، وسيكون بإشراك برنامج الأممالمتحدة الإنمائي ثم عملية التحقق المتفق عليها مع قادة وممثلي المجتمع حسب توصيات مراجعة البرنامج، أما إدارة وضبط وتقليل الأسلحة الصغيرة في المجتمعات ستكون من مهام الحكومة ووزارة الداخلية وبرنامج الأممالمتحدة. وحذر القادة المحليون من أن جهود برنامج نزع السلاح والتسريح وإعادة الدمج قد تذهب أدراج الرياح إذا وصلت الأسلحة إلى أيدي المقاتلين السابقين بسبب انتشارها الواسع في المجتمعات، وربما تتضمن عواقب استخدامها من قبل أو ضد الأطفال الموت والإصابة وانتهاك حقوق الإنسان والصدمة النفسية ودمار الأسر. ووفقاً لتقديرات الأممالمتحدة الأخيرة وصل عدد الأسلحة الصغيرة والخفيفة المتداولة في السودان إلى أكثر من ثلاثة ملايين قطعة سلاح. وأكثر من «60» بالمائة من هذه الأسلحة في متناول المدنيين بجانب «600» مليون قطعة سلاح صغيرة متداولة حول العالم. وقدرت النتائج السلبية لانتشارها بقتل «300» ألف شخص سنوياً في الحروب وخلافها «90%» من النساء والأطفال. وترى المفوضية أنه من المستحيل إعادة دمج المحاربين القدامى والنساء الملتحقات بالقوات المسلحة ما لم تستقر المجتمعات وتنعم بالأمن. ويرى نائب المفوض عبد العزيز محمد في ورشة تقييم الأداء وعكس تجربة السودان في إنفاذ إعادة إدماج المسرحين، أن ضبط الأسلحة في المجتمعات يلعب دوراً محورياً في خلق بيئة مواتية لتنفيذ عملية ضبط الأسلحة بصورة ناجحة، إضافة إلى دمج قدامى المحاربين في مجتمعات السلم. والبدء ببناء الثقة بين الأطراف المتنازعة والمجتمعات من خلال برامج اجتماعية وتثقيفية. وقال إن المجتمع الدولي رفع يديه عن عملية تمويل البرنامج وأصبح يعتمد على المكون المحلي، وأنه لا بد من توفير دعم لتسريح وإعادة دمج «35» ألف مسرح باتفاقية السلام، إلا أن مدير الإدماج بالمفوضية مها فريجون، قالت إننا ننتظر مخرجات مؤتمر الدوحة فيما يخص مسرحي دارفور، وأكدت إعادة إدماج بعض الحركات الموقعة على اتفاقية أبوجا وثلاثة آلاف مسرح بشرق السودان و«5,60» ألفاً بولاية النيل الأزرق غير أن أصحاب المصلحة يرون أن هنالك حاجة للاستمرار في عملية تسريح المقاتلين لجهة أن ذلك سيبعدهم عن الجماعات المسلحة ويمثل انعزالاً رمزياً مهماً عن الحياة العسكرية بحسب طلب ممثلي الدول المانحة، كما أن المساعدة النقدية لإعادة الدمج ستكون بمثابة منحة إبتدائية لبداية أنشطة إنتاجية ريثما يتم تنظيم الدورات التدريبية لإعادة الدمج. من جانبه، قال مفوض مفوضية نزع السلاح د. سلاف الدين صالح إن هنالك مستجدات جديدة انتظمت الولاية بدخول مجموعات أخرى إلى السلام، الأمر الذي يحتاج إلى اتفاق آخر، إلى جانب المجموعات الأخرى التي تقدر ب «سبع» مجموعات صادقت على اتفاق أبوجا وأدت إلى وضع جديد في الدولة وإعادة برنامج نزع السلاح في الدوحة. ووصف المستجدات الجديدة بأنها إيجابية، قائلاً إن الحكومة لن تنتظر حدوث الحروب ثم البدء في تنفيذ برامج نزع السلاح، رغم أن المنهج العالمي يعمل على أن يبدأ العمل بعد حدوث الحرب. وأشار إلى أن السودان استبق وقوع الأحداث بوضع برامج مثل عمل الحزام الغابي في بعض مناطق السودان، إلى جانب برامج لاستقرار المجتمعات في بعض الولايات، مشيراً إلى أن عدداً من الدول الإفريقية اتفقت على إنشاء الحزام القاري الذي سيكون له أثر إيجابي، إلى جانب البرامج المتعلقة بتنمية المناطق الجنوبية بالسودان والمتعلقة بإنشاء المناطق المتعلقة بحصاد المياه. لكن يبقى السؤال المطروح من خلال تطبيق البرنامج على أرض الواقع، هنالك من يرى أن عملية التطبيق لم تشمل عدداً كبيراً من المجموعات التي شاركت في القتال من الطرفين سواء أكانت حكومة السودان أو حكومة الجنوب، الأمر الذي يشكل تهديداً مباشراً للبرامج المنظمة، وبالتالي عملية الدمج والتسريح في منظور عدد من المراقبين لم تكتمل رغم وجود بيانات من المفوضية على ما تم انفاذه حتى الآن.