وقع وفدا السودان وجنوب السودان في اللجنة السياسية الأمنية المشتركة، أمس الأول بالعاصمة الإثيوبية أديس أبابا على مصفوفة الترتيبات الأمنية بين البلدين، والتي طال بها العهد والمكوث في الأضابير وهي معدة منذ أشهر ليست بالقليلة، وقبل يوم من سفر الوفد وفي لقاء عابر مع الفريق الركن عماد عدوي، أشار إلى أن يوم الجمعة سيشهد خبراً مهماً، وكان يعلم وقتها أن الوثيقة سيتم توقيعها من قبل وزيري الدفاع في البلدين.. لتفتح الطريق لمصفوفات أُخر في الاتفاقيات الثماني التي وقعت في سبتمبر من العام الماضي. الوثيقة أو المصفوفة تحتوي على جداول زمنية ومواقيت لبدء الانسحابات من الحدود مسافة عشرة كيلومترات من الشريط الحدودي لكل طرف، وإنشاء المنطقة العازلة المنزوعة السلاح، وترتيب عمل فرق المراقبة والتحرك وقيام الآليات المعتمدة في الوثيقة ومناطق رئاساتها والقيادة العسكرية لهذه الفرق بقيادة قوات «يونسيفا» التي تتخذ من أبيي مقراً لها. ويبدو أن دولة الجنوب جاءت هذه المرة تحت ضغوط كثيرة وكبيرة، نتيجة الوضع الداخلي المتأزم ولدوافع أخرى ونصائح خارجية، مذعنة لاتمام الاتفاق الذي يوفر مناخاً أكثر ملاءمة لاتمام بقية الاتفاقيات التي كانت الخرطوم تشترط من أجل مناقشتها وبدء تنفيذها حسم الملف الأمني. لكن الذي يستلزم التفكير فيه والتنبيه له، هو مدى التزام حكومة الجنوب بما وقعت وصدق تعهداتها، فجوبا ليست موضع ثقة لدى السودانيين على الإطلاق، ويُخشى أن يكون التوقيع على المصفوفة مجرد إجراء شكلي وخدعة ولعبة تمارسها دولة الجنوب!! فإذا كان رئيس الدولة نفسه سلفا كير ميارديت قد اتفق مع الرئيس البشير في سبتمبر 2012م ثم في يناير 2013م، مرتين ولم يلتزم بما وقع.. فهل يلتزم جون كونق وزير دفاع الجنوب ووفده العسكري والأمني بما تم إبرامه وما تنص عليه المصفوفة؟ هذا السؤال المشروع لا يقدح في عملية التوقيع، بل يشير مباشرة إلى حقيقة واضحة أن حكومة دولة الجنوب والحركة الشعبية لم يتم فطمهما بعد من إضمار الشرور والتآمر على السودان!! فليس المهم في هذا الشأن التوقيع على المصفوفة إنما الالتزام بها وضمانات تنفيذها من قبل حكومة الجنوب. أما الأمر الأهم الآخر فهو تفاصيل ما تم التوقيع عليه خاصة ما يتعلق بقضية «14 ميل»، فإذا تم حسمها كما كان عليه الحال فلا ضير، أما إن وقع الاتفاق وجاء خصماً عليها وتبنت المصفوفة خيار جوبا باعتماد طول شريط «14 ميل» في «172 كيلومتراً» من الغرب للشرق بدلاً من الطول الحقيقي «284» كيلومتراً، فإن الأزمة ستراوح مكانها، وستتخذ المنافذ في المساحة المتبقية منافذ تتسلل منها الحركات المتمردة وقوات ما تسمى الجبهة الثورية، ونصبح «لا رحنا ولا جينا»، وتظل الاختراقات الأمنية كما هي.. والمنطقة المنزوعة السلاح بلا معنى. ورحل أبو زيد ... مازال يعتصرنا حزن عميق لوفاة المغفور له أبو زيد عبد القادر أحد القيادات السياسية الشعبية في جنوب كردفان وخاصة محلية القوز، الذي رحل عن هذه الفانية الأسبوع الماضي، وشيعته جموع غفيرة من أبناء كردفان ودارفور والنيل الأبيض وكل من يعرفه ويعرف أهله، فهو ابن أخ البروفيسور التجاني حسن الأمين وابن خال الزميل يوسف عبد المنان.. وأبو زيد أنموذج للقيادة المرتبطة بمناطقها ومتجذرة في عمق المجتمع المحلي، ويمتلك قدرات مدهشة في فن القيادة وحذقاً لا يبارى في التعامل مع الناس، فقد كان طيب القلب، واسع الصدر، شديد الثقة في النفس، رفيع الخلق، حميماً في مودته، ناصحاً لا يخشى في الحق لومة لائم، يحب الخير للجميع، ورسول تصالح وسلام بين الناس، يهرع لخدمة كل محتاج، صبوراً عند المكاره وإذا إدلهم أمر نجده وافر الحكمة.. فهو أنموذج نادر.. وبرحيله الفاجع فقدت محلية القوز وولاية جنوب كردفان رجلاً لا يعوض وقيادياً قل أن يجود الزمان بمثله قريباً.. رحمه الله رحمة واسعة، وجعل الجنة مثواه مع الصديقين والشهداء وحسن أولئك رفيقاً.. والعزاء لكل أسرته وأهله في الدبيبات وطيبة.