(بلا توقيع)، كان العنوان الختامي لسلسلة التفاؤل التي عاشتها الخرطوموجوبا الأسبوع الماضي على أمل توقيع نهائي لمصفوفات تنفيذ اتفاقيات التعاون المشترك الموقع في سبتمبر من العام الماضي بيد رئيسي البلدين، حالت ربما مكائد السياسة وتنازع التيارات، فى الا يكون قابلاً للتنفيذ.. 13 يناير توقيت انطلاق الجولة الحالية التى انقضت امس بلا توقيع، لم يخيب توقع المتشائمين، وطابقت النتائج المخاوف من الرقم، لتنزع أبيى و(14 ميل) مرة اخرى كل مظاهر التفاؤل فى تواطؤ ربما مقصود لتموت الجولة لاحقةً بال (حوت). (بلا توقيع)، التي ختمت ببؤسها الجولة برر لها د.عبد الرحيم محمد حسين رئيس اللجنة السياسية الأمنية. وقال ان الجنوب تراجع عن الاتفاق الذي وقعه الرئيسان في لقائهما الأخير باديس أبابا، واوضح ان وفد دولة الجنوب رفض الاتفاق بشأن تشكيل مجلس ابيي الذي اقره لقاء القمة الماضية بالمناصفة بين دولتي السودان بتشكيله من عشرين عضواً، واضاف وزير الدفاع في مؤتمر صحفي بمطار الخرطوم عقب عودة الوفد امس، انهم ذهبوا لأديس لمتابعة تنفيذ اتفاقية التعاون، وقال انهم اصطدموا بأول عقبة في تكوين مجلس إدارية أبيي باشتراط الجنوب ان يكون 12 من المجلس من جانبهم و8 للسودان، بشرط ألا يكون جميعهم من المسيرية، وأشار الى أنهم ذهبوا بوفد من الشرطة إلا أن الجنوب لم يأت ضمن وفده بممثلين من الشرطة، وقال:(وقفنا عند هذا الحد وسيتم رفع القضية لقمة الرئيسين). سحابة المفاجئة لم تنقشع من تنصل الجنوب بفعل أبيى التى عادت لتفرض نفسها على معادلات التفاوض بفعل سيطرة أبناء أبيى على مفاصل السياسة الجنوبية طبقاً لحديث سابق للسفير عمر دهب الناطق السابق باسم اللجنة السياسية الامنية ورجح حينها أن يكون لتأثير تيار ابناء ابيى دور في إخفاق كل محاولات التوصل لتسوية حيال المنطقة الأكثف تفاوضاً. المسيرية بدوا زاهدين في الحديث عن مآلات الملف مع الجنوب واكتفى الكثير من قياداتهم بالإشارة الى عدم رغبتهم في ترديد أن ابيى لا تفريط فيها إلا بالموت أو (يا عليها يا تحتيها). فيما اعتبرت قيادات قبلية للمسيرية أن المراهنة تظل على الرئيس البشير الذي لن يسمح بالتفريط فى ابيى خصوصاً وأن الانسحاب هذه المرة جاء من الجنوب بعدما تم الاتفاق على الجهاز التنفيذي ومحاولتهم فرض شروط تعجيزية. عموماً.. أخذت عقبة اخرى تطل بوجهها لترسم ملامح فشل الجولة وكشف عنها وزير الدفاع تمثلت في ملفات الترتيبات الأمنية خاصة في منطقة (14 ميل)، ونوّه إلى أنّ الجولة الماضية حددت المنطقة فيها بمساحة 284 كيلو مترا فى مقابل ما طرحه الجنوب متمثلاً فى 424 كلم. وفي الجولة الحالية جاءت الأممالمتحدة بوثائق تؤكد تقديرات الخرطوم الا أن الجنوب قدرها ب 124 كيلو متراً، وقال (تذبذب جوبا خلق عقبة جديدة بالرغم من ان مخرجات اتفاق الرئيسين الأخيرة كانت تنفيذاً لاتفاقيات كما هي اتفاقيات منصوص عليها). عموماً.. لم تكن المرة الأولى التي تَتَسَبّب (14 ميل) فى تبديد آمال الالتقاء بين العاصمتين منذ تفجرت لأول مرة ضمن المناطق المدعاة، بعد صمت الخرطوم على وجود جيش الجنوب بالمنطقة منذ العام 2010م، وتتبع المنطقة إدارياً لولاية شرق دارفور، وتمتد كشريط غني بالمراعي الخصبة ضمن ديار قبيلة الرزيقات التى تعد من أكبر القبائل المتاخمة لجنوب السودان. الجولة الحالية وقفت عاجزةً أمام العجز الجنوبي عن حسم الملف الامني الذي يؤرق الخرطوم ووجعها الدائم المُستمر، مراقبون اعتبروا جوبا مدركة لقدرة الملف في ابتزاز الخرطوم، فتعثرت عمليات فك الارتباط لفترة طويلة رغم ارتباطه بملف النفط لينتقل التعثر الى التفاوض حولها. وهو مَا أكّده حسين أمس بقوله: (قضية فك الارتباط اختلف حولها الطرفان وطالبنا بآلية جديدة لجهة أنّ الآليات الموجودة لا تغطي مسألة الدعم والإيواء خاصة خارج المنطقة معزولة السلاح). وأضاف: (لابد من آلية جديدة لفك الارتباط). الخرطوم فى سعيها لحل الازمة طالبت بخطوة مماثلة لتسريح القوات المسلحة ل16 الفا من الجنوبيين بالجيش إبان انفصال الجنوب، وطالبت بإجراءات مماثلة للسودانيين في الجيش الشعبي بما فى ذلك الفرقتين (9 و10)عبر تبادل وثائق تؤكد فك الارتباط لتقطع الخرطوم على لسان وزير دفاعها بعدم الوصول لحل في الملف وإحالته للرئاسة. حيرة الخرطوم إزاء ممارسات جوبا أسهمت على ما يبدو للجوء الى الوساطة بهدف الحصول (على شهادة تنصل). وكشف عبد الرحيم عن مخاطبة الخرطوم لامبيكى كتابياً للمطالبة بعقد اجتماع غير عادي واستثنائي يحدد تاريخه رئيس الآلية الأفريقية رفيعة المستوى لمناقشة قضية تراجع الجنوب عن (14 ميل) وفك الارتباط وكيفية معالجة الإيواء والدعم للعناصر المتمردة، وقال (ذهبنا لأديس أبابا ملتزمين بنصوص الاتفاقيات حسب قمة البشير ? سلفا كير إلا أن الجنوب تراجع عنها وأصبحت هذه المشكلة). الحدود لم تغب عن سيناريوهات الجولة المضحكة المبكية فى آن واحد. واتهم وزير الدفاع الجنوب بالتراجع عن اتفاق الحدود لترسيم المناطق المتفق عليها والمقدرة ب (80%) على ان ينظر بعد ذلك في المناطق الخمس المختلف حولها وإذا كانت هنالك ادعاءات اخرى. تطبيق المتفق عليه، ظل هاجس العاصمتين. فالخرطوم طبقاً لوفدها تريد تطبيق كل الاتفاقيات حزمة واحدة. بينما تذهب جوبا الى محاولة تطبيقها منفردة، وبالرغم من احالة الملفات الأربعة الرئيسية الى اجتماع الرئيسين قبيل القمة الأفريقية أو على هامشها في 24 يناير الحالى إلا أنّ وزير الدفاع كشف عن اجتماع في 13 فبراير للجنة الأمنية السياسية لمتابعة الحوار، مجدداً التزام الخرطوم بتنفيذ كل الاتفاقيات المُوقّّعة بالتزامن دون عزل اتفاقية بين أخرى في مصفوفة واحدة بحسب ما تم الاتفاق عليه في قمة الرئيسين، وقال (الجنوب يريد تطبيق الاتفاقيات منفردة).. تضارب طرق التطبيق ألقت بظلالها على الاتفاقيات الاقتصادية بين البلدين، وبدا صوت البترول في أنابيب الشمال سراباً، فالخرطوم تنظر للأمر كله فى سياق واحد أي كل الملفات مرة واحدة. بينما يريد الجنوبنفطه قبل فك الاتباط. من جانبها، تنظر جوبا للخرطوم باعتبارها السبب في عدم اكتمال الفرح القاري، وأرجعت جوبا الفشل طبقاً لوزير عدلها جون لوك في تصريحات أمس إلى الموقف الذي وصفه بغير المبرر للسودان في اشتراط تطبيق اتفاقيات التعاون المشترك المُوقّعة في 27 سبتمبر الماضي بشروط جديدة غير موجودة في تلك الاتفاقيات الموقعة. وأشار لوك طبقاً لتقارير إعلامية الى اتفاق الوفدين على الترتيبات الخاصة بتفعيل المنطقة الحدودية الآمنة العازلة بين البلدين، إلاّ أنّهما اختلفا حول كيفية تطبيق الترتيبات الخاصة التي شملتها الاتفاقيات الأمنية من أجل منطقة (14 ميل)، معتبراً الخرطوم غير مرنة، وأنها رفضت - أي الخرطوم - قبول نقل النفط ومعالجته حتى «التفعيل الكامل للمنطقة الحدودية الآمنة المنزوعة السلاح» بما يتضمن نشر قوة الأممالمتحدة الأمنية المؤقتة في منطقة أبيي والبالغ عددها 860 فرداً وقيام جنوب السودان بنزع السلاح من منطقة (14 ميل). وقال (هذا الشرط السوداني يخالف اتفاقية التعاون الموقعة بين البلدين والتي لا تربط استئناف إنتاج ونقل النفط عبر السودان بأي شرط أو نشاط آخر). وبرر لوك للانسحاب من ملف ابيي الى تراجع الخرطوم ومطالبتها بزيادة ممثليها في المجلس التشريعي وهو الامر الذي لا تتضمنه الاتفاقيات السابقة وكذلك بإضافة شرط جديد لملف الحدود. لوم الخرطوملجوبا أو العكس، بدا أمراً مفرغاً منه ومتكرراً فى كل جولات التعثر السابقة، لتتجه الانظار مرة اخرى الى حيث الرئيسين البشير وسلفا كير في 24 يناير المقبل بحثاً عن فتوى تتيح للجارين العيش بسلام وتعاون. التحليلات تذهب الى أن الجولة الرئاسية المقبلة هي الأخطر في مسيرة العاصمتين والرجلين ايضاً لجهة قدرتهما (المجربة) في الخروج بقرارات مصيرية تتجاوز إخفاقات المفاوضين وترددهم، بالإضافة للعوامل والشروط التي تجئ فيها فمن جهة بدت جوبا تعيش ضغطاً اقتصادياً ربما أضعاف ما تعيشه الخرطوم بفعل غياب (الكاش) وملل المموّلين والمقرضين، وتراجع الدولة في كثير من المرافق والخدمات لصالح زيادة وتيرة الانفلاتات كما تقول الأنباء الواردة من هناك. وفي المقابل، فإن الوضع الاقتصادي والوضع الأمني في ولايتي جنوب كردفان والنيل الأزرق يمثل ضغوطاً على الحكومة، وبالتالي ربما راهن الوطني على الجولة المقبلة لجهة أنها تبعده عنه شبح التدويل والاستهداف كما تقول قياداته. بالإضافة الى أن الجنوب يكون في أوهن حالاته.. فهل تصدق تحليلات المتابعين، وينتهى السيناريو السوداني الجنوبي بإغلاق الستار أم في الأمر (كراسي) تتطاير؟!.