وجَّه رئيس الجمهورية المشير عمر البشير بمحاسبة الجهات الضالعة والمتسببة في فقدان السودان لخط هيثرو الجوي، جاء تأكيد التوجيه الرئاسي على لسان وزير النقل والطرق والجسور الدكتور أحمد بابكر نهار فى تصريحاته الصحفية عقب لقائه الرئيس الخميس «7» مارس الجاري .. بهذا القرار قد وضع السيد الرئيس الكرة أمام الوزير واللجان والجهات المختصة في منتهى الوضوح والشفافية كي تفصل فى قضية حيوية ظلت مشكلة قائمة وهاجسًا إقتصاديًا منذ قرار خصخصة الناقل الوطنى سودانير التى بموجبها تم شراء غالبية أسهم سودانير لصالح شركة عارف الكويتية وهم مجموعة تجار يبحثون عن المال والتكسب الربحي.. العملية يصفها الاقتصاديون بأنها مثال غير ناجح وغير موفَّق لجهة أن الشركات التى آلت إليها سودانير هي شركات تجربتها ضعيفة وهشة ولا تملك الخبرة الفنية الكافية فى مجال الطيران، وبسبب ذلك والركض خلف الربح العاجل تم التخلص من كل الموروثات والبنية الخاصة بسودانير والتى تعتبر تاريخها وسمعتها دون النظر فى عملية تأهيلها وتطويرها حتى تنهض وتعاود التحليق فى الأجواء مرة أخرى، للأمانة فقد توقف البرلمان فى صيغة العقد والتساهل والعيوب الذي حواها لكن لم يجد استجابة من إدارة سودانير التى استأسدت وقتها على المجلس الوطنى ولم يتمكن من مراجعتها حتى، ومن وقتها الأزمة قائمة حتى الآن.. أليس من العبث أن يتم التصرف في مجد سودانير ممثلاً فى بيع خط هيثرو وفقدانها حق الهبوط بمطار هيثرو تماماً برغم عيوبها وعدم التزامها بزمن الهبوط، وهو ما جعل سلطات مطار هيثرو تلفت نظرها أكثر من مرة حتى توقف الخط تماماً مما أغرى ببيعه سراً ويصبح الأمر مجرد مغالطة ما بين شركة عارف والإدارة السابقة لسودانير ولجان البرلمان دون حسم وتمر كل هذه السنوات دون ان تصل اللجان إلى الرؤوس ومخالب القط التى نخرت جسد الاقتصاد والناقل الوطني كما يسميه البعض.. هذه مناسبة أن تتم مراجعة كثير من عمليات الخصخصة للمشروعات الوطنية والتى تمت على عجل ودون النظر للأبعاد الأخرى، على الدولة أن تمسك بخيوط اللعبة وأن تتخذ أشد العقوبات وتضرب بيد من حديد لأن مثل هذه العدوى هذه الجرثومة الخطيرة لا تزال تعيش بيننا فلا بد من بترها وعملية تحصين واحتياط كاف لمنع تكرارها ولوثتها مرة أخرى.. بمجرد صدور التصريح خرج السيد الشريف أحمد عمر بدر بتصريح مضاد او مكمل لا أدري له توصيفًا مفاده أنه يرحب بمحاسبة المتسببين فى ضياع خط هيثرو وكأن صراعاً خفياً حول القضية كان يؤثر على مجرياتها بدأت تمظهراته للعلن، وكثيرون من الخبراء فى مجال الطيران يرون ان جرائم كهذه يكون منفذوها حذرين جداً حتى لا يقعوا فى الخطأ، كما ان قضية هيثرو فى ظاهرها بيع لكن من الصعوبة بمكان أن تعثر اللجان على مستندات ووثائق لا سيما وان القضية تتعلق بزمن هبوط فى أصله ممنوح لسودانير وليس مباعًا لها عن طريق مستندات، وحدث لها تعثر فى الالتزام بزمن الهبوط وقامت سلطات المطار بحرمانها وكادت تسحب الخط لكن جرت وساطات وعلاقات وتم الاحتفاظ به حتى تم بيع هذا الخط من قبل مجهول وبطبيعة الحال فإن منصوص قرار الرئيس القاضي بالمحاسبة وإرجاع الخط بحاجة إلى جهد كبير فيما يلي الوصول للمتسببين ثم إقناع سلطات هيثرو بإرجاع الخط وإلى أي مدى سودانير لها القدرة والإرادة فى الوفاء والالتزام بالشروط الفنية التى تؤهلها للهبوط الآمن بمطار هيثرو الدولي في الزمن المحدد.. لا شك أن خط هيثرو من الأهمية بمكان وهناك ضرورة قصوى لعودته إلى حضن الناقل الوطني للمميزات النسبية لتي يتمتع بها مطار هيثرو الواقع داخل العاصمة البريطانية لندن وما يوفره للمسافرين من جهد ومال وحركة لأن كل المطارات الأخرى خارج لندن بعيدة إلى حد ما وتضاعف التكلفة على المسافرين .. الظروف أصبحت مواتية لوضع الدواء على الجرح رغم غوره وأن تتمدد المحاسبة إلى المؤسسات الأخرى التابعة لوزارة السيد نهار والتى أظهر تقرير المراجع العام لها عدة مخالفات وحتى لا تصبح قضية خط هيثرو نزوة سياسية وصراعًا شخصيًا بين القيادات هدفه اقتناص الفرص وان يؤذي أحدهم الآخر هذا كل مبتغاه وهدفه من إثارة الموضوع وليس غيرة على الوطن وهمومه.. واقعنا السياسي زاخر بالتناقضات لكن أمام السيد نهار مهمة كبيرة وحتى لا تنسب له البطولة فإن وزير الدولة السابق فيصل حماد هو أول من أثار هذه القضية أمام نواب البرلمان، وقال: نحن فقدنا خط هيثرو، وأصبح تصريحه مكان سخرية من البعض وكأنه خط تلفون.. فى جملة واحدة عليك يا السيد نهار كشف حقيقة ما يدور فى مؤسسات النقل والطرق والجسور لاسيما فى المرحلة الأخيرة وما نُسب لها من عدم التزام بقوانين الدولة فيما يلي الضبط المالي وسياسة العقود والشراء والبيع أيضاً هذه خطوات تحمد لكم وإن تمكنتم من الإمساك بالمخلب فستكون الجائزة الكبرى لكم من قبل رئاسة الجمهورية والبرلمان إن رغب هو في السير على هذا الطريق البلاد بحاجة الى حسم ظاهرة عدم الضمير والمخادعة وفقدان المبدأ الأخلاقي في التعامل مع قضايا الرأي العام حتى كدنا نضمن إتقان أساليب ومهارات «الفساد والإفساد» ضمن شهادات الخبرة والمؤهلات المطلوبة للحصول على الموقع والوظيفة الكبرى..