وكما تُصطاد السمكة البريئة بقطعة طعام صغيرة يُساق السودان إلى حتفه وينطلق مشروع (تحرير السودان) وفق الإستراتيجيَّة القديمة المتجدِّدة التي تقوم بإنفاذها دولة جنوب السودان تحت قيادة الحركة الشعبية لتحرير السودان بالأصالة وبالوكالة عن أمريكا التي ظلَّت ولا تزال تضع السودان ضمن إستراتيجيتها الدوليَّة على غرار ما فعلت في العراق ومنطقة الشرق الأوسط. سنحصل على مبالغ دولارية لا تسد الرمق من نفط الجنوب يحصل الجنوب على عشرات أضعافها كما أن الدولار قد انخفض سعرُه وفرحنا حتى كدنا ننفقع وكان انخفاض دولار الجنوب أكبر. ذلك كان هو الطعم أما ما وراءه فحدِّث ولا حرج!! وفد من الأممالمتحدة زاروا الخرطوم الأسبوع الماضي بغرض الضغط على الحكومة حتى تتفاوض مع قطاع الشمال وهل كانت الحكومة في حاجة إلى ضغط ومفاوضوها هم من يضغطون عليها ليس من أجل التفاوض مع قطاع الشمال إنما من أجل العودة إلى الاتفاقيات التي سبق أن وُقِّعت وتحديداً اتفاقية نافع عقار التي سُمِّيت يومها باتفاقية (نيفاشا 2) والتي ركلها الرئيس والبرلمان وجميع أجهزة المؤتمر الوطني!! وبكل قوة عين تعلن الإدارة الأمريكية عن منح قطاع الشمال التابع للحركة الشعبية الحاكمة في دولة جنوب السودان «12» مليون دولار وتقوم كذلك بتسليم باقان «24» مليون دولار نصفها قام بتسليمه «تخيلوا» إلى عملائه في قطاع الشمال والنصف الآخر لإقامة المؤتمر الاستثنائي للحركة المزمع قيامه خلال الأشهر المقبلة!! المصفوفة التي وُقِّعت يا من لا تعلمون استبدلت عبارة (فكّ الارتباط) التي وردت في الاتفاقيات بسحب القوات لمسافة عشرة كيلومترات وسكت المفاوضون وبلعوا كل كلامهم عن شرط فكّ الارتباط بعد أن أُزيح كمال عبيد ليُدير جامعة إفريقيا العالميَّة حتى يتفرَّغ للأكاديميات بعيداً عن السياسة والمفاوضات التي ظل عباقرتُها ممسكين بخطامها منذ ما قبل نيفاشا وإلى أن يرث الله الأرض ومن عليها أمّا كمال فلم يمضِ على تكليفه بملف التفاوض إلا بضعة أشهر أُزيح بعدها لأنه لا يصلح في زمن الانكسار والهزائم!! وتشتعل دارفور كما لم تشتعل من قبل منذ سنوات، شمالها وجنوبها وشرقها بعد أن قدَّمت حكومة الجنوب لعملائها من متمردي الجبهة الثورية من الدعم العسكري خلال الأشهر القليلة الماضية ما لم تُقدِّم منذ سنوات وذلك بغرض إنهاك القوات المسلحة وإضعاف القرار السياسي حتى يستجيب لمطلوبات الجنوب وأمريكا والأممالمتحدة ويتفاوض مع قطاع الشمال. لو كنا قد تمكّنّا من تحرير كاودا وإسكات الجبهة الثورية ومنعها من التوغل في دارفور لكان الوضع مختلفاً ولكن يا حسرتاه فبعد أن كان الجيش الشعبي عاجزاً عن دخول واو وملكال وجوبا وتوريت أصبح اليوم يسيطر عبر عملائه على أجزاء كبيرة من جنوب كردفان والنيل الأزرق من أرض السودان العزيزة. في تلك الأيام العطِرات كان الدبَّابون يؤازرون القوات المسلحة ولم تنسَ ذاكرة الشعب السوداني ما فعله علي عبد الفتاح وسكران الجنة وتلك الثلة المباركة من قاهري الدبّابات في ملحمة الميل «40»... أين إخوان هؤلاء اليوم ممَّن باتوا يهرفون بتافه القول عن الجهاد ظناً منهم أنهم إن قاتلوا فإنهم سيفعلون دفاعاً عن نظام سقط في أنظارهم بعد أن رأَوا منه ورأينا ما زهَّدنا جميعاً في الذود عنه ولكنهم نسُوا بعد أن فتنتهم الدنيا أن الجهاد ضد الأوغاد دفاعاً عن دار الإسلام أوجب من جهادهم القديم فوالله ما أراد باقان وعرمان والحلو إسقاط النظام إلا وسيلة لتحقيق الهدف المتمثل في طمس الهُوية وإقامة مشروع السودان الجديد المنصوص عليه في ميثاق الفجر الجديد ووثيقة إعادة هيكلة الدولة السودانية التي وقعتها الجبهة الثوريَّة السودانيَّة في أكتوبر الماضي. إنها حالة الهزيمة التي طالت الكثيرين بمن فيهم من طفقوا يبحثون عن مبرِّرات لنكوصهم عن الجهاد ولا أحتاج إلى ذكر القيادات السياسيَّة التي جثت على ركبها بالرغم من أن دينها وقرآنها يأمرُها بأخذ الحيطة والحذر خاصة ممَّن جُبلوا على الخداع ولم يُخفوا نواياهم العدوانيَّة من خلال الإعلان عن مشاريعهم العنصريَّة الاستعماريَّة الاستئصاليَّة. بالله عليكم ماذا تقولون في من يتبرَّعون بمنح الحريات الأربع لمن يبحثون أصلاً عن موطئ قدم لإقامة الخلايا النائمة والقنابل الموقوتة التي سيفجِّرونها لحظة الصفر؟! أُجيبُكم بأنَّ الهوان قد بلغ بنا درجة أن يعترف مفاوضونا بأنهم هم الذين تبرَّعوا بفكرة الحريات الأربع لباقان فأي شيطان رجيم ذلك الذي يقود خطانا؟! كتب إليَّ رجلان في وقتين مختلفين يحدثانني والله العظيم أن ما يجري في بلادنا لا يخلو من سحر عظيم أصاب بعضنا وفصّل أحدهما بكلام تشيب لهوله الولدان!! وبالرغم من ذلك وبالرغم من الهُوَّة السحيقة التي نتردَّى في غمراتها يكتب بعضُ تجار الكلمة يتهموننا بأننا دعاة حرب بل إن أحدهم قال إننا نستثمر فيها وكأننا تجار سلاح فماذا نفعل غير أن نشكوه وأمثاله إلى الله العزيز؟! ماذا نفعل مع هؤلاء الذين لن يتغيروا حتى لو دخل المغول الخرطوم واستباحوا أعراضنا ودمَّروا مساجدنا؟! ليت هؤلاء تحدثوا يومًا عن إستراتيجيَّة الحركة الشعبيَّة وحكومة الجنوب وتصريحات باقانها وعرمانها عن مشروع السودان الجديد.. لن يفعلوا لأن هؤلاء لا يختلفون عمَّن يمشي في نومه ممَّن يخضع لما يُسمَّى بحمار النوم ولا يدري إلى أين يسير. آخر أخبار اتفاقية الحريات الأربع أنَّ المصفوفة حدَّدت لها ستين يوماً ليبدأ إنفاذها ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.