قرأت في صحيفة القوات المسلحة العدد 2231 الأربعاء 27 سبتمبر مقالاً للعميد محمد عجيب رئيس التحرير في عموده المميز الهادف «درب السلامة» تحت عنوان المربع الذهبي، ووجدت نفسي أحد المكتوين بنار ذلك المربع الكارثة رواحاً وقدوماً أقطعه صباحاً بالطول والعرض وعصراً بالعرض والطول وأنا أهتف وأنادي اللهم لا اعتراض على حكمك فينا ولكن نسألك اللطف بنا. كنت مرتاحًا جداً عندما كان مقر صحيفة «الإنتباهة» بالمقرن وأنا أسكن مدينة المهندسين، كل المطلوب مني أن أطلع كبري أبو سعد وأنزل المقرن («5» دقائق بكون داخل المكتب وخمسة دقائق من المكتب أكون في البيت إلا إذا كان هنالك مقطوع طارئ من سواقين الهايج يكون عامل حادث في الكبري أو شاحنة مكنتها خفيفة تتعطل في منتصف الكبري ذي الارتفاع المشاتر، ولكن بعد انتقال مقر الصحيفة لشارع المك نمر أصبح لزاماً عليّ أن أعبر مربع محمد عجيب الذهبي طولاً وعرضاً للوصول للمكتب وأصبحت محتاجًا لخمسين دقيقة ذهاباً ومثلها إياباً بدل الخمسة دقائق بتاعة كبري أبو سعد، وأصبحت معرضًا لمساءلة جماعة المرور وما أكثرهم في المربع العجيب وأصبح لزاماً عليّ ربط المصيبة الاسمها الحزام الذي أكرهه بشدة، خمسين دقيقة بدلاً من خمسة دقائق بتاعة كبري أبوسعد. أخي العميد محمد عجيب ياما في مربعات ذهبية شيء بالليل وشيء بالنهار وشيء في الخرطوم وشيء بره الخرطوم وياريت المربعات لو كلها بقت زي مربع برمودا الذهبي. أخي القارئ الكريم فلنقرأ معاً المقال: المربع الذهبي.. عجز القادرين على التمام.. مثلث برمودا أول مثلث يتربع على صفحات التاريخ.. مثلث برمودا في ولاية فلوريدا سر من أسرار الفيزياء الذرية التي استعصت طلاسمها على ولد آدم من عرب ومن عجم.. من يدخل هناك لا يخرج أبداً.. لكن السودان بلد التحديات خلق لنفسه مثلث!! مثلث بتاع مين..؟ خلق لنفسه مربع..!! مربع الداخل فيه مفقود والخارج منه مولود.. مربع يستحق لقب مربع برمودا بجدارة. المربع الذي أضلاعه شارع الطابية جنوباً وشارع النيل شمالاً وشارع الحرية غرباً وشارع المك نمر شرقاً.. يستحق هذا المربع أن يحمل لقب مربع برمودا بجدارة. الحركة المرورية داخل مربع الموت هذا مستحيلة.. والدخول فيه بعربة في ساعات النهار مغامرة غير محسوبة العواقب لا يُقدم عليها إلا من يريد أن يكون أول يومه صياحاً وأوسطه نباحاً وآخره وصل مخالفة من شرطي مرور. كل سكان ولاية الخرطوم من أقصاها إلى اقصاها.. من كل فجاج الأرض .. من كل صقع من أصقاع الولاية.. من كل نجع من نجوعها.. من كل فج عميق.. كل الناس يطلع عليهم النهار فيمسحون وجوههم من أثر النوم.. أو من أثر السجود.. كلّ حسب الدين.. أو الهوى.. أو المعتقد.. الذي يعتقد.. أو يهوى.. أو يدين به.. فالسودان بلد متعدد الأعراق والثقافات والأديان. يمسح وجهه من أحد هذه المعتقدات ثم يولي الرجل منهم أو المرأة وجهه شطر ذلك المربع الذهبي.. كلهم يذهب ليبحث عن الذهب.. ما إن تشرق شمس في يوم جديد إلا وأهل الخرطوم يمارسون الزحف المقدس نحو المربع الذهبي.. بعضهم يأتي على مركبات.. وبعضهم يأتوك رجالاً.. أو على ضامر يأتين من كل فج عميق.. كل الأرزاق تقع داخل مربع برمودا هذا.. أو هذا المربع الذهبي.. وحكومتنا المؤمنة لا تعلم الغيب لكنها تستشرف آفاق المستقبل.. الحكومة المؤمنة هذه أثناء ما كانت تستشرف آفاق المستقبل رأت بنور الإيمان المشرق في دواخلها.. رأت وأدركت أن الملك الموكل بتقسيم الأرزاق كثيراً ما يرتاد السوق العربي فجمعت له كل مظان الرزق المقسوم لأمة محمد من سكان ولاية الخرطوم، جمعتها له في هذا المربع الذهبي.. كل الوزارات الاتحادية وهي من أكبر مظان الرزق في البلاد حلاله وأموره المشتبهان فليس في دولة المشروع الحضاري وزارة تتعاطى المكروه عمداً.. تتعاطى الحرام.. وكل حديث عن الفساد ما هو إلا رجز من عمل الشيطان يمشي به الحاقدون من أذناب الحزب الشيوعي وبقايا الحركة الشعبية ومن لف لفهم من أعداء المشروع الحضاري المبارك.. المباركفوري..«وهي من صيغ المبالغة المبتكرة».. كل الوزارات جمعتها الحكومة داخل المربع الذهبي.. كل المؤسسات الحكومية.. كل الدواوين .. أكثر من «85%» من المصارف والبنوك.. كل المستشفيات التعليمية الكبرى في البلاد.. كل عيادات كبار الاختصاصيين.. كل معامل الفحوصات الطبية الهامة والنادرة.. كل الرنين المغناطيسي«ولي تجارب مؤلمة مع هذا الرنين المغمطيسي».. كل أكشاك بيع البسكويت والحقن الفارغة والبارد «الذي غالباً ما يكون ساخناً».. كل الجامعات الكبيرة النيلين، السودان الجناح الغربي.. حتى جامعة الخرطوم العريقة تقع في الميول الأمامية لهذا المربع الذهبي.. كل المواقف العريقة للمواصلات.. وكل المواقف الغريقة بالمياه الراكدة وكل البيئة الملائمة لصغار لصوص الموبايلات المتسكعين في موقف كركر.. والبيئة الملائمة لكبار اللصوص الذين يمشون رويداً ويطلبون صيداً في المؤسسات الأنيقة ذات الهواء المكيف.. وكل البيئات الملائمة لكبار اللصوص الأصاغر وصغار اللصوص الأكابر.. ومن لف لفهم من الذين يلفون إذا «الضيف لف» أو لم يلف.. الحكومة المؤمنة رأت هذا كله بفراسة المؤمن ونور الإيمان الذي توقد من تلك «الشجرة المباركة» فجمعت وأوعت مظان الرزق كله حلاله والحلال شديد منه جمعته لملك الموت.. عفواً ملك تقسيم الأرزاق في هذا المربع الذهبي.. ثم نادت في أمة التوحيد من سكان ولاية الخرطوم من الذين أنعمت عليهم.. والمغضوب عليهم.. والضالين.. نادت فيهم :«تزاحموا تراحموا فإني مكاثرة بكم الولايات».. وأمة التوحيد كل يوم تنفذ تعليمات الحكومة المؤمنة حرفياً.. فتتلاقى قمم يا مرحى في موقف كركر وموقف بربر وموقف شندي.. فيظل الناس هناك وقوفاً.. والغيد والقوارير صرعى.. والأباريق بتن في إطراق.. ظلت حكومتنا الرشيدة على تعاقب التعديلات والتبديلات الوزارية تلتزم التزاماً صارماً بإنفاذ مطلوبات العلاقات الطيبة والعشرة النبيلة مع ملك تقسيم الأرزاق في مقره الدائم بالمربع الذهبي.. بل إن بعض الحاقدين من أعداء المشروع الحضاري والساعين في أن يفتّوا من عضد جماع الإرادة الوطنية يسوّدون صفحات الصحف كل يوم بمقالات تزعم أن جماع أمر الإرادة الوطنية لم يجمع على أمر واحد منذ أول حكومة وطنية بعد الاستقلال!! وهذا كذبّ محض.. بدليل إجماع كل الحكومات الوطنية المتعاقبة منذ الاستقلال على جمع كل مظان الرزق المكتوب لأمة محمد من أهل ولاية الخرطوم في مربع واحد يسهّل مهمة ملك تقسيم ارزاق العباد ولا يكلفه غير مواصلة واحدة..! بل إن بعض الحاقدين من أعداء المشروع الحضاري يتساءل في خبث.. لماذا لم يتخذ وزراء الصحة منذ الاستقلال.. لم يتخذ أحد قراراً بنقل مستشفى الخرطوم التعليمي إلى الكلاكلة ونقل مستشفى بحري التعليمي إلى الحاج يوسف ونقل مستشفى ام درمان التعليمي إلى امبدة؟.. فيذهب المستشفى «مرة واحدة» حيث يوجد الشعب بدلاً من أن يأتي الشعب «كل يوم» إلى المستشفى... فيتبع هذا النقل تلقائياً كل عيادات كبار الاختصاصيين والمعامل والرنين المغناطيسي؟ وآه من هذا الرنين المغنطيسي.. ولك المستشفيات الخاصة ذات البنايات الشاهقة. لم لم تتخذ الحكومات المتعاقبة منذ الاستقلال قرارًا بجمع كافة الوزارات في مجتمع واحد في سوبا أو السلمة بعيداً من ضفاف النيل الخالد وتتيح للسادة الوزراء الأتقياء الأنقياء فرصة أن «يتفرجوا» على الشعب الحقيقي الكائن هناك في منابت الشجر ومجاري الأنهار وقعور الوديان. فتذهب الوزارات مرة واحدة بحثاً عن الشعب بدلاً من يأتي الشعب «كل يوم» بحثاً عن الحكومة .. لماذا لا تذهب المصارف والبنوك إلى «الحارة مية» لإنفاذ مشاريع التمويل الأصغر. لماذا لا تتفرق الكليات الجامعية بين دار السلام المغاربة وام ضريوة لتبقى بائعات الآيسكريم وفول الحاجات في تلك النجوع فتوفر عليهن مؤونة المواصلات ومكابدة الحركة والتحرك إلى المربع الذهبي كلما طلع النهار.. وتكفي باعة الاسكراتش وبقايا الفاقد التربوي تكفيهم وعثاء السفر إلى موقف كركر وكآبة المنظر.. كل هذه الأسئلة غير المشروعة لا يثيرها إلا أعداء المشروع الحضاري الذين فاتهم القطار.. ونحن لا نملك إلا أن ننحاز لحكومتنا المؤمنة ضد هؤلاء الأنجاس المناكيد من أصحاب هذه الأصوات النشاز.. أصوات نشاز غير مقبولة.. فاتكم القطار.. فاتكم القطار.. فاتكم القطار..