حديث المدينة (تفاحة كركر مسمومة) عثمان ميرغني أخيراً – جداً- اكتشفت الحكومة أن (تفاحة كركر مسمومة).. و(كركر) هو الاسم الشعبي لموقف المواصلات العامة في قلب مدينة الخرطوم.. وهو أحد عبقريات الجباية.. اخترعته محلية الخرطوم حتى تحصد منه مليارات كل شهر.. لأنه يجمع المواطنين جمعاً، ويكدسهم من أجل خلق سوق هائلة مزدحمة.. تدفع من أجلها المحلات التجارية عصارة دمها.. وفعلاً .. من يوم افتتاح هذا الموقف تحولت منطقة (الخرطوم غرب) إلى غبار كثيف.. يعج بالتلوث البيئي والسمعي من مئات الماكرفونات التي تصرخ على البضاعة المعروضة في الشوارع.. ليس في هذا (الموقف) مزعة لحم من تحضر.. أو شبه بما يجب أن تكون عليه العواصم حتى في أفقر بلاد الله.. لكن كل هذا لا يهم.. المهم كم يغذي شرايين \"المحلية\" من أموال معلومة.. وأخرى الله أعلم بها.. تذهب في مجارٍ سحيقة.. ثم اتضح أخيراً .. أن (تفاحة كركر مسمومة) وربما تصبح يوماً قاتلة مميتة.. قبل أيام قلائل.. عجزت أكداس البشر في الموقف من الحصول على مقاعد في حافلات تنقلهم إلى بيوتهم في رحلة العودة بعد يوم مضنٍ من العمل.. جموع البشر تحولت إلى ما يشبه الشرارة (الكاذبة) لمظاهرات.. بعضهم استغلّ تزاحم الراجلين فوق الكبري وحاولوا صنع الاحتكاك الموجب لانطلاق (الشرارة).. شرارة مظاهرات غاضبة بسبب المواصلات سرعان ما تتحول إلى (جمعة غضب) وتواليها من الجمعات إلى حد (جمعة الرحيل).. اكتشفت الحكومة أن الأموال الطائلة التي تحصل عليها من (موقف كركر) قد تكون عربون الندم.. أموال ممحوقة لأنها من الأصل غسلت غسلاً بالفساد الكبير.. منذ أن كانت فكرة هذا الموقف نطفة.. صحيح أن جمع المواطنين وتكديسهم في موقف كركر يسمح لمئات المحلات التجارية أن تمد أعناقها وأبواقها.. وتدفع بالحلال والحرام معاً.. بالظاهر والباطن معاً.. وتدخل الأموال إلى الجيوب الرسمية.. وغير الرسمية معاً.. لكن الأصح.. أن نفس هذه الحشود في هذا المكان قد تصبح (الشرارة).. يزيد من شعلة حريقها أنها تجاور أكبر جامعتين في العاصمة.. جامعة السودان.. بأكثر من خمسين ألف طالب.. ومثلها جامعة النيلين.. مائة ألف شاب مفخخ بالإحباط ومعبأ مثل مدافع الراجمات، في متناول اليد.. تكفي مجرد إشاعة صغيرة أن تشعل الحريق الذي لن تنفع فيه (ألوان) الاستعداد الحكومي لمثل هذه المظاهرات، أخضر وأصفر وأحمر.. أخيراً.. اكتشفت الحكومة أن تعذيبها لمواطنيها في هذا الموقف المتخلف عقلياً وجسدياً.. قد يرتد عليها بعذاب واقع.. للحاكمين ليس له دافع.. أخيراً.. اكتشفت الحكومة أن (تفاحة كركر مسمومة).. وقد تكون مميتة..!! التيار