كلما حال الحول ودار الفلك دورته السنوية، وبدأ عام جديد يسأل المسلم نفسه: كيف مرّ اثنا عشر شهراً بدون أن يقف مع نفسه ليحاسبها، ويعرف ما لها وما عليها؟ لأنه في زحمة الحياة، ومع موكب السائرين يصبح مشغولاً بمجريات الحياة التي أخذت الكثير من حياته. تعال يا أخي نتذكر إخوة لنا في الدين كيف مرَّ بهم العام المنصرم، وهم يذرفون دمع الأسى والحزن؟.. لا حول ولا قوة إلاَّ بالله.. هذه سنة الحياة، وهكذا تمر الأعوام.. بحلاوتها ومآسيها.. كل يوم، وكل ساعة، وكل ثانية تمر من أعمارنا، إنما هو تساقط أوراق من شجرة أعمارنا، وفي كل لحظة تقول لنا شمس العمر: إنها أذنت بالأفول.. تعال يا أخي الكريم نؤمن ساعة.. لنتأمل وندرك أنفسنا لنحاسبها قبل أن يفقد قطار العمر توازنه، ولا نقع فيما وقع فيه كثير من الناس.. من الانزلاق والتهور في مهوى العاجلة وحرماتها.. تعال ننظر إلى واقعنا المعاصر، ونحاسب أنفسنا.. هل أيقنا ونحن نراجع رصيدنا أننا سنقف بين يدي مولانا غداً ليحاسبنا؟. إننا يوم ذاك لا ندرك ثوبة ولا رجعة.. أين نحن يا أخي من الذي يقول ويعمل؟.. أين نحن من أخلاق المؤمن في العبادات والمعاملات؟. وهل ذكرنا معاني الجنة، واشتقنا إلى ما فيها مما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر؟. وهل تذكرنا النار وأهوالها لمن أعرض وبغى وتجبر؟.. وهل أعنا لمن يعتدى على حقوقهم وحرماتهم من المسلمين؟.. وهل حفظنا ألسنتنا ومعاملاتنا من الكذب والزور والغيبة والنميمة؟. وهل أقصرنا عن السعي وراء كل ضار ومفسد في الأرض؟. وهل كففنا أيدينا عن البطش والظلم؟.. وهل غضضنا أبصارنا عن النظر إلى الحرام؟.. وهل تركنا أكل الربا؟.. وهل شعرنا وتحملنا مسؤولية أسرنا؟.. وهل...؟.. وهل...؟.. لا نريد أن نسترسل في دنيا سلسلة الاتهامات.. إنما هي ذكرى، والذكرى تنفع المؤمنين. اقتصاديات بالمقالوب (2) صلاح محمد عبد الوهاب الاقتصاد أولاً.. أم السياسة؟ سؤال مهم.. أو كما يقال.. البيضة أم الدجاجة؟ من خلال القاعدة المعروفة في العالم أجمع.. أن المصالح الاقتصادية هي التي تدير دفة الأمور وبالتالي هي التي توجه سياسة الدولة.. الكلام ده طبعًا في الدول المرطبة المتحضرة والمتقدمة، كل شيء هناك يتم بحسابات اقتصادية في تعاملها مع دول العالم وعلى حساب شعارات مزيفة صنعوها هم ونادوا بها مثل حقوق الإنسان والمحكمة الجنائية والأنظمة المستبدة وضعوها على الرفوف لحين وقت الحاجة، وحينها تنفذ سياسات العصا والجزرة.. لكن نعود ونؤكد أن المصالح الاقتصادية فوق كل شعارات وبالتالي الاقتصاد عندهم هو الذي يحرك السياسة نجد العكس صحيح في البلدان المتخلفة والخيبانة (backward countries) السياسة في بلدانهم هو الذييحرك الاقتصاد حتى لو في غير صالح البلد. زرعنا القطن وكان يمثل الذهب الأبيض في السودان في أضخم مشروع زراعي في إفريقيا مشروع الجزيرة مع أرقى نظام ري يشهد له الإنجليز.. فحصلنا على ملايين العملات الصعبة من تصديره في وقت لم نعرف عن البترول السوداني شيء؟ وبجرة قلم وبقرار سياسي أحمق استبدلنا زراعة القطن بالقمح لتغطية احتياجاتنا تحت شعار «نأكل مما نزرع».. لم نكتفِ من القمح بل استوردنا المزيد وضيعنا القطن يعني لا حصلنا عنب الشام ولا بلح اليمن، صحيح اقتصاديات بالمقلوب. من يقتل أحلامنا! كما دومًا أجيء لا لأكون محاضرًا فأنا نفسي أحتاج من يحاضرني لكني أحضر ومعي حزمة ضوء أسلط به إلى حاجتنا من السؤال.. لا نحتاج أن نطارد التعريفات ولا أن نلهث خلف كومة من المعارف فقط نحتاج أن نعرف أنها حياتنا والحياة تختلف عن تجزئة الإنسان يا سيدي.. هناك منطقة ممنوع الاقتراب منها أبدًا في أي دائرة سياسية أو جغرافية أو إنسانية إن كان بالمجتمع مرض ما فتاك تجد القابضون على زناد مصالحهم يمسكون بك من تلابيبك إن تجاوزت أنهم يقتلونك ويقتلون أحلامك سفهًا أو عمدًا أو تجريحًا أو تجاهلاً.. أعرف أن التجديد دومًا مهلك لصاحبه لذا دومًا تجد أفكار المجددين تكتشف دومًا بعد رحيلهم حتى وإن بعد سنوات. وفي ظل مناطق النفوذ وخلق تلك الالهة التي خلقنا ما عدت أفلح أن أبدو ببغاءً أو سلحفاة أو غنيًا يمارس حكاية الفريسة والذئب.. ما أقسى أن تجد أن من يبتسم إليك صباحًا هو أول من يذبحك مساءً.. هكذا ادنو من معرفة من يقتل أحلامنا.