تتعجبون عند قراءتكم لقصتي وقد تقولون إنها ضرب من الخيال وقد نسجتها لكم من خيوط معاناتي، لتعرفوا أنني ما عانقت اليأس فيها يومًا لأنني توكلت على ربي وفوضت امري إليه فمنحني قوة الإيمان والأمل عشت طفولة بائسة أقل ما يقال عنها إنها كئيبة مظلمة وسط أسرة فقيرة لا تكاد تجد ماتسد به رمقها من الجوع... كنا ننتظر الأعياد ومناسبات الأفراح لجيراننا وأهل الحارة لأننا نتذوق من خلالها اللحوم والفواكه التي حُرمنا منها... كانت أسرتي أسرة لا يكاد أي فرد فيها يشعر بالآخر فلكل منا عالمه الخاص، فكل فرد من أسرتي للأسف كان لديه ما يشغله من أعمال وخصوصيات يخجل قلمي من ذكرها.. كان أبي يعمل«مستخدما» في أحد المعارض وراتبه البسيط لا يصل بالأسرة الكبيرة إلى نهاية الشهر... كان أبي إنسانًا سلبيًا «قانعا» من الحياة بعشرة أطفال مشردين في الشوارع لايعلم عنهم شيئا» وربما كان لاستخدامه المخدرات في بداية حياته وكثرة دخوله وخروجه . أما والدتي !!!! فاعذروني إن تحدثت عنها بهذه الطريقة المؤلمة، فالحقيقة أشد إيلاما» ، فقد كانت تتسكع بين بيوت الحارة طوال يومها وكأنها لم تستوعب يوما» أنها زوجة وأم،، ،،، أما إخوتي،!!!!!!!!!! فحدث ولا حرج فهم يعيشون بين جنبات الشوارع، وأغلبيتهم إنحرفوا عن جادة الصواب،، حتى إخوتي،«البنات» لم يقمن وزنًا للأخلاق. تقدم رجل لخطبتي من أبي وكان عمري حينها «15عامًا» أما هو فكان عمره!!!!!!!!!!! ( 60 عامًا» ومصاب بالضغط والسكر وزيادة عليها كان مدمنًا» وتاجرًا للمخدرات،، مما جعلته تجارته هذه تجني أرباحًا كثيرة، وهو السبب الوحيد الذي جعل لعاب أبي وأمي، ومن دون تردد وافقا ولم يأخذا أذني، فصرخت في وجهيهما وقلت: لا أريده، أريد أن أكمل دراستي زوجوه أختي الكبري،،، ولكن لا حياة لمن تنادي، فقد تم زفافي وسط جو كئيب ولم تبالي أمي بي_أتعلمون ما أول شيء وضعته أنا في حقيبتي؟! وضعت دروسي وكتبي،، ودخلت داري الجديدة ،عفوًا أقصد سجني،، خمس سنوات من عمري دفعت ثمنها غاليًا وذقت فيها كل ألوان العذاب من ضرب بالسياط والنعال _ كل ذلك لم يقهرني بقدر ماقهرني وجعلني أنزف من الداخل حرماني من الدراسة ورفضه التام لذهابي إلى المدرسة، أصبحت أشبه بهيكل عظمي نتيجة الهم والغم، ولكن الله الرحيم يشاء أن يهبني أطفالاً يشغلونني ، أنجبت ولدين وبنت خلال «سنوات» فقط. كان عمري حينها «20» وعاهدت نفسي أن أجنب أطفالي جميع مامررت به في طفولتي ولكن أنى لي ذلك وابوهم إنسان متجرد من شرف الأبوة. فبمجرد أن يشرب الخمر فإنه يقوم بضربي وإياهم.. أتدرون أنني في أغلب الليالي الطويلة كنت أحتضنهم وأنام وإياهم ويقوم بتحطيم الأثاث وطردي واطفالي إلى الشارع، وكثيرًا مايقوم جيراننا الطيبون بإيوائنا رحمة وشفقة. كنت أدعوا الله في الليالي المدلهمة أن يفرج كربتي ويزيل عني هذا البلاء الذي تعجز نفسي على احتماله،وقد أستجاب الله لدعائي!!! ففي ذات يوم سمعت صراخ الجيران من حولنا وهم ينادوني: «ياأم فلان ، زوجك...زوجك!!!» ركضت أنا وأطفالي مسرعين لنرى ما حدث،، لقد قام زوجي بالعراك مع رجل من زبائنه اختلف وإياه على ثمن قطعة هيروين، فتطاعنا بالسكين، فطعنه زوجي ومات على الفور،، قد شاهدت زوجي المجرم وقد تلطخت ملابسه بالدماء وهو يرتجف بين أيدي الشرطة،، كانت شفتاه تميلان إلى اللون الابيض من هول الموقف. أما عيناه فقد كانتا زائغتين ينظر إلى الناس من حوله بذهول...أما أنا فلا تسألوني عن مشاعري المضطربه،،، لا أدري هل هي لحظات سعادة أم شماتة انتظرتها من زمن طويل أم هي مشاعر ألم هيجتها ذكرياتي المؤلمة، بعد أسبوع فقط من القبض عليه وقبل حتى أن تبدأ محاكمته،، أصدرت عدالة السماء حكمها فماااااااااااااات بعد ارتفاع الضغط وإصابته بنزيف دماغي، كنت أنظر في منزلي،، بصقت على دولاب ملابسه، وعلى كؤوس خمره وعلى سوطه الذي ألهب جسدي وجسد أطفالي... ... جلست أفكر فأنا أرملة جميلة في العشرين من عمري وعندي 3 أطفال وليس لدي أي مصدر للرزق، وأمامي طريقان: الأول هو طريق الكفاح والصبر والثاني هو طريق الكسب السريع حيث أبيع أنوثتي للراغبين في امرأة وحيدة مثلي،،، واخترت الطريق الأول بلا تردد، وكان أول مافعلته أنني بعت آخر قطعة.. وانتقلت أنا وأطفالي إلى مدينة بعيدة واستأجرت غرفة صغيرة بحمامها فقط،، واشتريت موقدًا صغيرًا وسريرًا مستعملاً لي ولأطفالي، وبعض الأواني القديمة المستعملة،، بدأت أبحث عن عمل شريف، ولقد سخر الله لي جيرانًا طيبين ساعدوني كثيرًا فقد كانوا يتصدقون علينا ببعض الطعام والملابس القديمة، ووجدت عملاً حكوميًا كمستخدمة في إحدى المدارس الثانوية القريبة من بيتي، ولا أنسى أول راتب قبضته في حياتي كان بسيطاً ولكن دموعي انهمرت لحظة استلامه بكيت كثيرًا وحمدت الله على رزقه وإعانتي على لقمة العيش.. اشتريت لأطفالي ملابس جديدة وألعابًا وطعامًا «طيبا» ولأول مرة منذ أربعة أشهر أطبخ دجاجًا لأطفالي!!! واشتريت لهم بسكويتًا وشوكولاته.. كنت أرى السعادة في أعينهم.... مرت سنة كاملة وأنا في وظيفتي استطعت أن أكسب احترام مديرتي وتعاطف المعلمات وحب الطالبات، وذات يوم. سألت نفسي: لماذا لا أكمل تعليمي الثانوي خاصة أنني في مدرسة ثانوية؟ عرضت الأمر على مديرتي فشجعتني وقدمت أوراق انتسابي وكان صدفة أن ابني البكر يدرس في الصف الأول ابتدائي وأنا أول ثانوي،، اجتهدت في دراستي بالرغم من الأحمال الملقاة على عاتقي كأم وموظفة وطالبة!!! وفي خلال «3» سنوات حصلت على شهادة الثانوية العامة بنسبة 97% بكيت كثيرًا وأنا أرى بداية الخير وأرى ثمار جهدي بدأت تنضج.. انتقلت من عملي مستخدمة وقدمت على وظيفة كاتبة في إحدى الدوائر الحكومية. براتب جيد بالإضافة إلى تقديم أوراق انتسابي إلى الجامعة «قسم تربية إسلامية» استأجرت شقة صغيرة مكونة من غرفتين وصالة وبدأت ارتاح في حياتي، خاصة أن أطفالي دخلوا المدارس وأصبحوا متفوقين دراسيًا وأخلاقيًا». مرت أربع سنوات عصيبة حصلت من خلالها على البكالوريوس بتقدير امتياز مع مرتبة الشرف.. وبعدها تم وبفضل الله تعييني مدرسة ثانوية.. كان ابني الكبير في الثالثه عشرة من عمره واحتضنني وقال «أنتي أعظم أم أنا فخور بك» واحتضنتهم جميعا» وظللنا نبكي بلاشعور لساعات، وبدأت أدخر جزءًا كبيرًا من مرتبي لكي أبني به منزلاً خاصًا لي،، وقدمت على الماجستير وحصلت عليها خلال سنتين فقط بتقدير امتياز مع مرتبه الشرف، وبدأت في بناء منزلنا المكون من طابقين به عشر غرف وصالتين ومطبخ ومستودع وحديقة كبيرة ومسبح، ثم قدمت على الدكتوراه وكان مشوارها صعبًا« جدا جدا جدا خاصة أن أطفالي بدأوا يكبرون وتم تعييني كأستاذة في الجامعة وكان عمري حينها 37 أتعلمون لحظة استلامي لشهادتي فكرت بأمي ، ترى لو رأتني في هذا المشهد فهل كانت ستبكي من الفرح،، أم أنها ستسألني عن العائد المادي الذي سأجنيه من وراء ذلك؟!!!! ولكن لا تعتقدون أني عاقة لوالدتي! بالعكس لقد ذهبت إليها أكثر من مرة ووجدتها كما هي لم تتغير!! أما أبي فقد توفي بعد زوجي بسنة وقد كنت أرسل لها من مرتبي،، أما إخوتي وأخواتي فلم يكن يشرفني التعرف إليهم أو تواجدهم في حياتي فابتعدت عنهم من أجل أبنائي، أبتسمت الحياة لي بعد عبوس طويل .. وأنا الآن أخبركم عن وضعي أنا وأبنائي: أنا الآن لي مركزي الاجتماعي وأعيش في بيت فخم وعندي الخدم والسائقون.. أما أبنائي: فقد تخرجوا جميعًا من جامعاتهم العلمية ابني الكبير أصبح طبيبًا جراحا، وابني الثاني مهندس معماري، وابنتي الصغرى طبيبة أطفال، وقد زوجتهم جميعًا وأصر ابني الأكبر أن يعيش هو وزوجته معي فملآ عليّ البيت بالحياة وضحكات أحفادي، وها أنا الآن في الخامسة والخمسين من عمري... والحمد لله..