شاهد بالصورة والفيديو.. شاب سوداني يترك عمله في عمان ويعود للسودان ليقاتل مع الجيش في معركة الكرامة.. وثق رحلته من مسقط حتى عطبرة ليصل أم درمان ويحمل السلاح ويطمئن المواطنين    شاهد بالصورة والفيديو.. إعلامية مصرية حسناء تشارك في حفل سوداني بالقاهرة وتردد مع الفنانة إيلاف عبد العزيز أغنيتها الترند "مقادير" بصوت عذب وجميل    شاهد بالصورة والفيديو.. "دعامي" يظهر في أحضان حسناء عربية ويطالبها بالدعاء بأن ينصر الله "الجاهزية" على "الجيش" وساخرون: (دي بتكمل قروشك يا مسكين)    شاهد بالصورة والفيديو.. إعلامية مصرية حسناء تشارك في حفل سوداني بالقاهرة وتردد مع الفنانة إيلاف عبد العزيز أغنيتها الترند "مقادير" بصوت عذب وجميل    د. مزمل أبو القاسم يكتب: جنجويد جبناء.. خالي كلاش وكدمول!    محمد وداعة يكتب: الامارات .. الشينة منكورة    السوداني في واشنطن.. خطوة للتنمية ومواجهة المخاطر!    العين إلى نهائي دوري أبطال آسيا على حساب الهلال السعودي    إثر انقلاب مركب مهاجرين قبالة جيبوتي .. 21 قتيلاً و23 مفقوداً    تطعيم مليون رأس من الماشية بالنيل الأبيض    الخارجية الروسية: تدريبات الناتو في فنلندا عمل استفزازي    مصر تنفي وجود تفاهمات مع إسرائيل حول اجتياح رفح    مدير شرطة شمال دارفور يتفقد مصابي وجرحى العمليات    "تيك توك": إما قطع العلاقات مع بكين أو الحظر    عن ظاهرة الترامبية    مدير شرطة ولاية نهرالنيل يشيد بمجهودات العاملين بالهيئة السودانية للمواصفات والمقاييس    حدد يوم الثامن من مايو المقبل آخر موعد…الإتحاد السوداني لكرة القدم يخاطب الإتحادات المحلية وأندية الممتاز لتحديد المشاركة في البطولة المختلطة للفئات السنية    منتخبنا يواصل تحضيراته بقوة..تحدي مثير بين اللاعبين واكرم يكسب الرهان    سفير السودان بليبيا يقدم شرح حول تطورات الأوضاع بعد الحرب    المدير الإداري للمنتخب الأولمبي في إفادات مهمة… عبد الله جحا: معسكر جدة يمضي بصورة طيبة    طائرات مسيرة تستهدف مقرا للجيش السوداني في مدينة شندي    هيثم مصطفى: من الذي أعاد فتح مكاتب قناتي العربية والحدث مجدداً؟؟    ترامب: بايدن ليس صديقاً لإسرائيل أو للعالم العربي    تواصل تدريب صقور الجديان باشراف ابياه    مدير شرطة محلية مروي يتفقد العمل بادارات المحلية    إيقاف حارس مرمى إيراني بسبب واقعة "الحضن"    «الفضول» يُسقط «متعاطين» في فخ المخدرات عبر «رسائل مجهولة»    للحكومي والخاص وراتب 6 آلاف.. شروط استقدام عائلات المقيمين للإقامة في قطر    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني من بنك الخرطوم ليوم الإثنين    سعر الدرهم الإماراتي مقابل الجنيه السوداني ليوم الإثنين    نصيب (البنات).!    ميسي يقود إنتر ميامي للفوز على ناشفيل    لجنة المنتخبات الوطنية تختار البرتغالي جواو موتا لتولي الإدارة الفنية للقطاعات السنية – صورة    صلاح السعدني ابن الريف العفيف    أفراد الدعم السريع يسرقون السيارات في مطار الخرطوم مع بداية الحرب في السودان    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    جبريل إبراهيم: لا توجد مجاعة في السودان    مبارك الفاضل يعلق على تعيين" عدوي" سفيرا في القاهرة    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    عام الحرب في السودان: تهدمت المباني وتعززت الهوية الوطنية    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    مصدر بالصحة يكشف سبب وفاة شيرين سيف النصر: امتنعت عن الأكل في آخر أيامها    ماذا تعلمت من السنين التي مضت؟    واشنطن: اطلعنا على تقارير دعم إيران للجيش السوداني    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    تسابيح!    مفاجآت ترامب لا تنتهي، رحب به نزلاء مطعم فكافأهم بهذه الطريقة – فيديو    راشد عبد الرحيم: دين الأشاوس    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    وصفة آمنة لمرحلة ما بعد الصيام    إيلون ماسك: نتوقع تفوق الذكاء الاصطناعي على أذكى إنسان العام المقبل    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    تداعيات كارثية.. حرب السودان تعيق صادرات نفط دولة الجنوب    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    الجيش السوداني يعلن ضبط شبكة خطيرة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حوار مع (لقيطة)...هذه حياتي.. هذا قدري.. أين الخطأ ومن المخطئ؟
نشر في النيلين يوم 27 - 07 - 2010

ما ذكره لي الزميل الصحافي - يحيى كشة - عن المأساة العريضة التي تعيشها امرأة (لقيطة)، تقطن بأحد احياء العاصمة، هزني بعنف وأثار شهيتي الصحفية لمثل هذه القضايا (المغلقة) بغلاف سميك من السرية والكتمان.. اتصلت بها هاتفياً فارشدتني على عنوانها.. فانطلقت صباح الجمعة الماضية الى المنزل.. استقبلتني خارج المنزل مرحبة امرأة في نهاية الثلاثينيات، ولكن ملامح وجهها تنم عن انها أكبر من ذلك بكثير.. تعيش لوحدها مع طفلها وطفلتها الصغيرين.. داخل جزء صغير من منزل مؤجر يحتوي على غرفة واحدة وحوش صغير لا يتسع سوى لسريرين.. همت بالقيام بواجب الضيافة فطلبت منها الجلوس.. ومن ثم أمطرتها بوابل من الاسئلة والاستفسارات.. ومن خلال اجاباتها الصريحة والشجاعة تكونت قصة تصلح ان تكون سيناريو لمسلسل اجتماعي كشفت لي عن مأساتها ومأساة مئات (اللقيطات) اللائي يعانين لوحدهن في صمت خاصة عندما يكبرن فيتفاجأن انهن (مقطوعات من شجرة) لا أب ولا أم، ولا أهل ولا أزواج.. اللقيطة الشجاعة ترسل من خلال سردها لتفاصيل حياتها اشارات واضحة للمجتمع وتكشف حجم المعاناة والمأساة التي تحيط باللقطاء من الجنسين وما يتعرضون له من ويلات، واهانة، وذل من البعض الذين يقومون بتبنيهم.. فلندعها تحكي وتسرد التفاصيل الموجعة والمؤلمة بنفسها.. وبعد القراءة سوف تصابون بالدهشة والاستغراب والالم لفداحة الأحداث، ومأساوية التفاصيل..
.....
من خلال الحلقة الثانية تناولت زواجي من شقيق صديقتي.. وإنجابي طفلة حلوة، ثم انتقالي للعيش مع زوجي بمنزل إيجار، وطلاقي للمرة الثانية، وإرجاعي بعد تدخل الأجاويد، وانتقالي للعيش بمنزل أسرة زوجي كشرط لإرجاعي، و فعلت مكرهة.. ومن خلال هذه الحلقة الثالثة والأخيرة، أواصل سرد بقية سيناريو الأحداث العاصفة التي عانيت منها.
مرة أخرى انتقلت للسكن بمنزل أسرة زوجي، أقمت في غرفة لوحدي مع طفلتي، لا أزورهم، ولا يزرني أحد .. عاملوني كخادمة وليس زوجة لشقيقهم.. كنت أقوم بكل أعمال المنزل: طهي، ونظافة، وغسيل ملابس، وأواني منزلية، وعندما احتج من كثرة العمل كانت شقيقات زوجي يقلن لي:
- نحن أحضرناك شغالة، ولتربية الطفلة!! وكان زوجي أيضاً يعاملني بقسوة ويتجاهلني، ولا يقيم معي في الغرفة، لم يأت إلا عندما مرضت ابنته.. ومرت الأيام والشهور وأنا أعيش في دوامة من المشاكل، والقهر، والذل، والهوان، إلا أنني صبرت على كل ذلك، فأين أذهب وأنا انسانة «مقطوعة من شجرة»، بلا أهل، ولا أقارب، أعيش لوحدي في هذا العالم، وأحمد الله تعالى أن رزقني طفلة حلوة ملأت حياتي، وأصبحت بمثابة أسرتي وأهلي.. وعند بلوغها السنتين أدخلتها الروضة، أوصلها صباح كل يوم ثم أعود للعمل لخدمة شقيقات زوجي بالمجان- سامحهم الله- بعدها حملت للمرة الثانية وعندما علمت شقيقات زوجي بحملي جن جنونهن وطالبوا زوجي بإجهاض الجنين لتخوفهم من ان يكون ولداً، فيشاركهم ورثة منزل والدهم، إلا أنني رفضت التخلص منه، وصبرت وتحملت فوق طاقتي وأعصابي، وعلى معاملتهم القاسية غير الإنسانية، لأنه ليس لدي أحد ألجأ إليه ليحميني، حتى زوجي، الذي حمدت الله كثيراً ارساله لي ليكون شريكي في الحياة، خذلت فيه، وقف بجانب أهله.. طيلة فترة حملي تحملت كثيراً من العذاب والإهانة والشتائم، وعندما حانت ساعة الولادة ذهبت لوحدي لمستشفى حكومي بالخرطوم، ثم حضرت صديقتي الوفية، وولدت بعملية قيصرية، وكان المولود ذكراً، وعندما علم أهل زوجي، جن جنونهم وأثاروا في وجهي زوبعة من المشاكل، وبعد خروجي من المشفى عدت لمنزل أسرة زوجي ومعي طفلي وظللت أقيم لوحدي في الغرفة، لا يأتي إلِّى أحد، رغم أنني وقتها كنت في أمس الحاجة لمن يساعدني ويقف بجاني اثناء فترة النفاس.. وتأزم وضعي أكثر وأكثر، إذ كنت لا أجد طعاماً لي ولابنتي، أما ابني المولود حديثاً فقد عانى هو الآخر، وتعرض للجوع مثلي ومثل شقيقته، فمن أين يأتي الحليب وأنا بلا طعام؟!.. أحياناً كانوا يقدمون لي فضلات طعامهم، أتناولها مكرهة، ماذا أفعل أأموت جوعاً وابنتي وطفلي الرضيع الذي كان يجاهد في ثدي للحصول على قطرة لبن.. «أخذت هنا تنتحب وتبكي بكاء مؤلماً يكشف الألم والحرقة والقهر الذي تموج به دواخلها».. فقالت بعد ان هدأت قليلاً: «ضاقت بي يا أستاذ.. ضاقت بي يا أستاذ»، وأخذت تبكي مرة أخرى بكاء يقطع القلوب.. ثم واصلت:
كان زوجي وشقيقاته يشتمونني دوماً «با بنت الشارع»، على مسمع من ابنتي، فلم أعد أتحمل تلك الأهانة، فانخرط في نوبة بكاء متواصلة، فتسألني ابنتي:
? لماذا تبكين يا ماما؟.. من الذي «شاكلك»؟ .. هذا المشهد تكرر كثيراً أثناء سكني مع شقيقات زوجي بمنزلهم، مما أثر في نفسية طفلتي «....»، فأخذت أتساءل بيني وبين نفسي: لم أعش طفولتي الطبيعية كبقية الأطفال، ووصمة «لقيطة» لا تزال تطاردني حتى بعد زواجي على سنة الله ورسوله، ولذلك قررت ألا أدع ابنتي وشقيقها ان يعيشا نفس طفولتي المعذبة، لن أسمح بذلك، فإتخذت قراراً حاسماً لا رجعة فيه: مغادرة منزل أسرة زوجي والسكن بمفردي مع طفلتي وطفلي، حتى أبعدهما من جو المشاحنات والشتائم بمنزل أسرة زوجي، وعندما أخبرت زوجي بقراري رفض، بل قام بطلاقي الطلقة الثالثة.. وللتذكير، الطلقة الأولى كانت بسبب عدم قيامي بغسل جلبابه لأن طفلي كان وقتها يبكي فقلت لزوجي: أصبر شوية حتى أسكت طفلي، إلا أن شقيقاته تدخلن كعهدهن قائلات له: «طلقها فهي لا تسمع الكلام».. فأستجاب لهن وطلقني الطلقة الأولى بحجة أنني لا أسمع الكلام، لكنني ظللت أقيم معهم في غرفتي الوحيدة بمنزلهم، وبعد أسبوع أرجعني لعصمته.. أما الطلقة الثانية فسببها أن شقيقة زوجي كانت مريضة بالملاريا واتهمتني بأنني لم انظف غرفتها فغضب وهاج وقال لي: «لماذا لم تنظفي غرفة شقيقتي.. نحن احضرناك عشان تشتغلي في البيت وليس لسبب آخر.. وقام بطلاقي الطلقة الثانية، والثالثة التي ذكرتها لكم كانت بسبب قراري الانتقال من منزل أسرته، والسكن لوحدي مع ابنتي وابني، الذي كان عمره آنذاك «05» يوماً فقط، وخرجت من المنزل في اليوم التالي مباشرة من طلاقي الثالث، فاستأجرت منزلاً بأحد الأحياء، وسكنت فيه مع ابنتي وابني لوحدنا ولا نزال نقيم فيه، وهو منزل صغير مكون من غرفة واحدة ومطبخ وحوش صغير، بإيجار شهري «573» جنيهاً يشمل الكهرباء.. وأصبح والد الطفلين لا يسأل عنهما، ولا يرسل لهما أي مصاريف، فاضطررت للعمل بالمنازل في غسل الملابس وأعمال النظافة، ورفعت عليه دعوى نفقة وحكمت لي المحكمة بنفقة شهرية «511» جنيهاً ، ولتدبير معيشتي عملت مع موظفة بمنزلها بعد عودتها من عملها في الثالثة عصراً، وحتى التاسعة مساء يومياً عدا الجمعة، بمرتب شهري «022» جنيهاً، وأذهب يوم الجمعة لموظفة أخرى بمنزلها لغسل الملابس مع المكوة، وتمنحني عشرين جنيهاً، أدخر منها «01 جنيهات» لتكملة الإيجار مع مبلغ النفقة «511» جنيهاً.. وبالطبع كنت لا أترك طفلتي وطفلي وحدهما بالمنزل، بل كنت أحضرهما معي اثناء عملي مع الموظفتين.. هكذا هي حياتي حتى يومنا هذا.. عمل متواصل ووحدة.. أما مطلقي فهو يقيم مع أهله، يأتي لزيارة طفليه مساء كل خميس ويصطحبهما لمنزل أسرته، ليعيدهما مساء السبت..
الإيجار والعمل المتواصل أحالا حياتي لجحيم وعذاب، فلا بد لأن أعمل حتى أطعم طفلتي وطفلي، لكن الإيجار يلتهم كل ما أكسبه من عملي المرهق .. فقررت الخروج من دوامة الإيجار، فتقدمت بطلب للإسكان الشعبي لامتلاك منزل يأويني مع طفلتي وطفلي، بعد ان تخلى عنهما والدهما، لكن قسيمة الطلاق وقفت حائلاً دون ذلك، إذ رفض زوجي أعطائي لها، وعندما طلبتها من المحكمة الشرعية تم استدعاء زوجي «مطلقي» وحلف اليمين أمام القاضي انه لم يطلقني سوى طلقتين، وبالتالي رفضت المحكمة إعطائي ورقة الطلاق، ولذلك لم استطع التقدم لوزارة الاسكان للحصول على سكن شعبي.
هذه هي حياتي.. هذا هو قدري
هذه حياتي.. هذا قدري يا أستاذ منذ ولادتي والقائي بالشارع وعمري يوماً واحداً، والتقاطي والحاقي بدار المايقوما بالسجانة، ودخولي مرحلة التبني، وزواجي وإنجابي، وشقائي، وبؤسي ودموعي وخوفي من المجهول.. ولكن كل ما تعرضت له من عذاب، ومحن، وقهر، وذل يهون في سبيل الصغيرين.. أخشى عليهما من محن هذا الزمان، وذئاب المجتمع التي لا ترحم صغيراً أو كبيراً.. فمستقبلهما في ظل الظروف التي أعيشها مجهول، مجهول، خاصة عندما يكبران ويدركان حقيقتي، وهو أمر محتوم، لا بد لهما ان يعرفا عاجلاً أم آجلاً أن أمهما «لقيطة»، يفر منها المجتمع ويتفاداها كالمجذوم.. أخشى عليهما من نظرات المجتمع وتعليقاته التي لن ترحمهما، كما لم ترحمني.. حياتي تحولت لأكاذيب بيضاء، خاصة عندما كان يسألني الجيران: لماذا أقيم لوحدي؟ أين والد الطفلين؟ فأجيبهما: والدهما طلقني وتزوج بأخرى، والحقيقة الوحيدة «طلاقي»، أما زوجي فلم يتزوج بأخرى، ولذلك كثيراً ما أطلقت هذه «الكذبة البيضاء» لعلمي إنني إذا كاشفت المجتمع حولي أنني «لقيطة»، فسوف يقاطعونني ويمنعون أطفالهم اللعب مع أطفالي.. ولذلك كنت أتوق للتعرف على لقطاء ولقيطات، فهم من طينتي، يعانون مثلي من المجتمع ونظراته التي لا ترحم، وتعليقاته التي تدمر نفسية كل لقيط أو لقيطة، وتجعله ينزوي بعيداً يعيش لوحده.. أرغب في لقاء ومعايشة أناس مثلي، إذ أن همومنا مشتركة، ولنا صفة واحدة، أننا مجهولو الأبوين، ولا أهل لنا ولا اقرباء العيش وسط اللقطاء واللقيطات أرحم من الحياة بوجهين مع المجتمع الذي لم يرحمني، ولن يرحم إبنتي وأبني.. حتى الأسر البديلة، أو التي تتبنى اللقطاء واللقيطات والتي يتحدثون عنها، ليست هي الحل لقضية هذه الشريحة «المعذبة» لانهم يتعاملون معهم على أنهم ابناء الشارع، لا يفهمون نفسياتهم ومتطلباتهم النفسية.. لا أنكر ان هناك أسراً بديلة تعد نموذجاً، ونجحت في الخروج بمن تبنتهم من اللقطاء إلى بر الأمان وأصبحوا أشخاصاً يشار اليهم بالبنان.. لكن حظى رماني- كما رماني والدي من قبل في الشارع- رماني في أسرة خلاف ذلك.. أقولها صراحة ومن خلال تجربتي في عالم اللقطاء التي ناهزت الآن الثلاثين عاماً، القانون والمجتمع لا يقفان مع اللقطاء من الجنسين ولذلك من تزوجت وانجبت من اللقيطات يتفادين بشتى السبل، معرفة أطفالهن بحقيقتهن.. حتى إنني أثناء إجراء هذا الحوار مع الاستاذ «التاج عثمان» الذي فتح لي قلبه، وتفاعل مع قضيتي، وتحملني لأكثر من ثلاث ساعات، كنت أخشى وقتها ان يصل ما أبوح به إليه إلى مسامع ابنتي وابني، فعند زيارته لي بالمنزل طلب الجلوس بالحوش، إلا أنني رفضت حرصاً مني على عدم تسلل أية كلمة أو عبارة لابني وابنتي، أو للجيران، حتى لا يعرفون حقيقتي، فكلمة واحدة قد تدمر أطفالي، أو تغير من معاملة ونظرات جيراني لي.. كنت حريصة أثناء الحوار أبقاء طفلي وطفلتي بعيدين عنا، حتى لا يسمعان شيئاً عن تفاصيل حياة والدتهما اللقيطة، فهما حتى هذه اللحظة يعتقدان ان والدتهما كبقية الأمهات، وللأسف كثيراً ما يسألاني:
«أين أهلنا؟.. لماذا لا يزورنا أحد منهم؟».
فأجيب عليهما أحياناً بكذبة بيضاء ثم أنزوي بعيداً عنهما أبكي.. وأبكي لحظهما العاثر، ليت والدي المجهولان يدركان ما تسببا لي ولطفلِّي من محن وعذاب.
أين الخطأ؟.. ومن المخطئ؟
كثيراً ما يدور هذا السؤال في ذهني: أين الخطأ؟ ومن المخطئ؟ وكل المحن التي تعرضت لها في حياتي، ولا شك ان غيري من اللقطاء تعرضوا لها أيضاً؟ بالطبع الخطأ الأول ناتج من والدي المجهولين لذرعهما معاً «الثمرة الحرام» وبعد نضوجها تركاها في الشارع.. ليتهما يدركان نتيجة المتعة الحرام ومآسي وتبعات الخطيئة التي إرتكباها معاً.. لا أدري لكن أحس أحياناً انهما يعرفانني ويراقبانني من بعيد، لكنهما لا يتجرآن على الظهور والاعتراف بخطيئتهما التي اتحمل تبعاتها لوحدي مع ابنتي وابني.
الخطأ الثاني في إعتقادي ترتكبه دار الأطفال اللقطاء، بسماحها لكبار العمر بتبني أطفالاً لقطاء، إذ سرعان ما يصبحون عاجزين عن رعايتهم. أو وفاتهم والاطفال لا يزالون في أعمار صغيرة، ليتركوهم في مهب الريح لأسرهم الذين غالباً يعاملونهم معاملة قاسية غير كريمة ولا انسانية، ولا يوفرون لهم أبسط احتياجاتهم المادية والنفسية.. لماذا تسلم دار اللقطاء طفلاً لمتبني أو متبنية في عمر يناهز الثمانين ويسكنون بالإيجار.. على المشرفين على رعاية هؤلاء الأطفال مراعاة صغر سن من يرغب في تبني اللقطاء وان يكون وضعه المادي جيداً على الأقل وان يكون لديه منزل ملك، حتى لا يعود اللقيط إلى الشارع، وتدركون جيداً ما يحدث لهم بالشارع. خاصة الفتيات اللقيطات.. فهناك بنات أسر منحرفات، فما بالكم باللقيطات؟!.
أعرف لقيطة تبنتها إحدى النسوة من دار المايقوما وكان لديها ولدان، وكانت تعاملها معاملة كريمة، وبعد وفاتها قام أبناؤهما بطردها للشارع، فإنحرفت!! وهناك لقيطة أخرى ربتها امرأة محسنة، وبعد وفاتها قامت ابنتها بطردها من المنزل، فهامت بالشوارع لتصبح لقمة سائغة للوحوش البشرية التي لا ترحم.
وثالثة تم طردها بعد وفاة المرأة التي تبنتها، لينتشلها رجل شهم من عائلة محترمة ويتزوجها..
وفي المقابل هناك نماذج مشرفة كالأسرة التي تبنت لقيطة وقالوا لها أنت أختنا، وتزوجت من الأسرة، وحتى هذه اللحظة لا تعرف أنها لقيطة- ولذلك ينبغي دراسة أحوال الأسرة المتبنية كلها وليس الشخص المتبني فقط قبل تسليمها لهم، لمعرفة مدى تقبلهم ان تعيش لقيطة وسطهم.
أنا إنسانة متدينة، أواظب على الصلوات الخمس، وأزيد فيها، وأصوم رمضان، والمصحف لا يفارقني، والفضل في ذلك يعود لأمي الأولى بالتبني، ولذلك أنا انسانة صابرة ومؤمنة بقدري ومشيئة الله.. زوجي -سامحه الله- قذف بي في الشارع.. أسكن الآن لوحدي، وابنتي وابني أمامهما طريق طويل، شائك.. يحتاجان للرعاية، ولديهما متطلبات وطموحات كغيرهما من الأطفال.. ومن جانبي أجهد نفسي وأشقى بالعمل في منازل الآخرين طيلة اليوم لأوفر لهما أبسط الاحتياجات، حتى لا يحسان بأي فوارق بينهما وبين بقية الأطفال، بعد ان تخلى عنهما والدهما..
أخيراً.. أشكر الاستاذ «التاج عثمان» لصبره وسماعه وتدوينه تفاصيل حياتي الموجعة، وإقناعي بإجراء هذا الحوار الذي يصب في النهاية في صالح كل اللقطاء من الجنسين.. والشكر لأسرة صحيفة «الرأي العام» لنشرها حكايتي على صفحاتها مما يدل على انها صحيفة ذات رسالة تهتم بقضايا الشرائح الضعيفة «المنسية» .. وعلى خبراء الإجتماع والدولة دراسة أحوال اللقطاء لأنني وصلت لقناعة أن قضيتهم لا تزال عالقة بدون فهم ومن دون حل.. فالمجتمع لا يقبل بنا، وحتى لو تزوجت اللقيطة فإن أهل الزوج عندما يدركون الحقيقة لا يقبلون مثل هذا الزواج فيحدث الطلاق، وتتشرد اللقيطة.. ولذلك نحن نعيش في دوامة من المشاكل التي لا يعاني منها ولا يحس بها، ولا يكتوي بنيرانها إلاِّ نحن اللقطاء.
المحرر:
هذه تفاصيل حياة هذه المرأة، عكستها بكل أمانة وصدق.. ومن جانبي وبعد وقوفي على معاناتها، أناشد أهل الخير، وأفراد المجتمع، خاصة النسوة وإتحاد المرأة، والدولة، مساعدتها والوقوف بجانبها وإيجاد عمل كريم لها حتى تحس ان المجتمع يقف معها.. ومناشدة خاصة لوزير التخطيط العمراني، وصندوق الإسكان، لتوفير سكن شعبي لها يأويها مع طفليها.
حوار وتصوير: التاج عثمان


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.