نجح تحالف المعارضة «سيليكا» في إسقاط حكم الرئيس فرانسوا بوزيزي في جمهورية إفريقيا الوسطى، ودخلت قوات هذا الائتلاف الذي يضم عدة فصائل معارضة العاصمة بانغي، وأنهت حكم بوزيزي الذي وصل للسطة عام «2000م» بمساعدة من الجارة الشمالية لبلاده تشاد.. فرَّ بوزيزي إلي الكنغو برازافيل عبر نهر صغير واحتمى هناك، تاركاً قصره الجمهوري وبلده في قبضة المعارضة المسلحة التي سبق أن اجتاحت أراضي الدولة الإستوائية وجبالها العالية وغاباتها الكثيفة ووقفت على بعد «75» كيلومترًا من العاصمة بعد وعيد دولي وجرى اتفاق لم يعمر كثيراً، زحفت قبل أيام قلائل هذه المجموعة المتمرِّدة التي تتَّخذ من اسم سيليكا وهو يمثل أحرُف المجموعات المنضوية تحت راية ائتلاف واحد، إلى العاصمة بانغي واستولت عليها.. المهم بالنسبة لنا في السودان، مآلات الأوضاع في هذه الدولة الصغيرة الغنيَّة باليورانيوم والذهب والمعادن، برغم فقرها المدقع.. فهي ترتبط الآن بحدود مع دولة الجنوب بجانب حدودها من الناحية الشمالية الشرقية مع بلادنا وأربع دول إفريقية أخرى تشاد من الشمال والكاميرون من الغرب والكنغو برازافيل والكونغو الديمقراطية من الجنوب الشرقي.. ظلت هذه الدولة من فترة طويلة حلماً لحركات التمرد في دارفور لتكون قاعدة لانطلاق عملياتها العسكرية في دارفور ومنطقة حماية الظهر لها بعد فقدانها ليبيا القذافي وبعد طي صفحات الاختلاف بين الخرطوم وإنجمينا وعودة العلاقات الطبيعية إلى وضعها السابق.. وراجت معلومات قبل فترة قصيرة بُعيد الزحف الأول لمتمردي سيليكا نحو العاصمة، أن حركات دارفور المسلحة إضافة لمرتزقة من تشاد يدعمون هذه الحركة بالمقاتلين والسلاح والمال، وأن حركات دارفور في بعض الأحيان ممر ووسيط للدعم الذي يصل لهذه الحركة.. وبالرغم من أن الحركة لم تعلن أية مواقف سياسية ظاهرة في علاقاتها الخارجية ومواقفها من جوارها خاصة السودان أو تشاد، فإن المخاوف لا تزال قويَّة من أن يجد متمردو دارفور فرصتهم للتمدُّد إلى أجزاء واسعة من هذه الدولة بدلاً من جنوب السودان، لتعويض أي تقارب ممكن بين الخرطوموجوبا يكون على حساب وجودهم في دولة جنوب السودان، فإذا كانت جوبا قد قُيِّدت رجلاها باتفاق مع الخرطوم يوقف ولو إلى حين مساندتها ودعمها لمتمردي دارفور، فإن هذه الدولة الإفريقية الإستوائيَّة التي سيطرت عليها حركة سيليكا المعارضة ستكون قبلة متمردي دارفور نظراً لصعوبة السيطرة على كامل التراب في إفريقيا الوسطى في الوقت الراهن وعدم قدرة حكومته الجديدة عملياتياً على بسط قبضتها على المناطق الشمالية المتاخمة للسودان. حتى هذه اللحظة لا نعرف أي اتصالات لحكومتنا في الخرطوم بهذه الحركة أو قياداتها ف «ميشيل دوجو توديا» رئيس حركة سيليكا، لا توجد معلومات دقيقة عنه أو أن له صلات بالسودان أو الدول حول إفريقيا الوسطى، لكنه بالتأكيد سيبدأ في تلمُّس طريقه وبناء علاقات تضمن له الاستقرار والبقاء في السلطة، مع أنه من واقع ما حدث سيكون حليفاً لفرنسا التي جعلت الجنرال فرانسوا بوزيزي يتساقط منهوكاً من الحرب ثم الفرار أخيراً خائضًا نهر أوبانجي الصغير إلى برازافيل... والصراع في إفريقيا الوسطى منذ عهد الأمبراطور الشهير جان بيدل بوكاسا، كان في الأساس محصوراً حول ثروات هذه البلاد المعدنيَّة خاصة الماس واليورانيوم، فالقوى الغربية تخوض حروباً سرية وأخرى معلنة حول اليورانيوم الخام، بلغ أشده في نهاية السنوات التسعين من القرن الماضي عندما تورَّط القذافي وأركان من نظامه مع المافيا الروسيَّة في هذه التجارة الخطرة أدَّت لاختطاف وقتل سفير ليبيا في بانغي وأحد رجال مخابرات القذافي في ليلة دامية داخل منزله في بانغي.. واتهمت يومها مخابرات غربيَّة بالتدخُّل السريع لحراسة الكنز الإفريقي المحرم من الاختراقات... ويقال أيضاً إن الرؤساء في هذا البلد منذ عهد الاستقلال عام 1960م حتى بوزيزي الذي هرب كانوا يقدمون هداياهم الثمينة من الماس وأحجاره المضيئة لأصدقائهم من الرؤساء أو زوارهم الكبار.. المهم في نهاية الأمر أنَّ السودان عليه أن يتعامل بجدية مع هذا التحول الجديد في إفريقيا الوسطى واتخاذ كل ما يلزم لمنع استغلال المعارضة المسلَّحة وحركات دارفور أراضي هذا البلد ضد الأمن والاستقرار...