حينما أُثير موضوع عدم ترشيح الرئيس البشير قبل فترة ليست بالقصيرة، كنا قد كتبنا أن ترشيحه لا بد أن يستمر من قبل حزبه المؤتمر الوطني في كل انتخابات ولاية جديدة.. فهو ما دام متمتعًا بالصحة والحمد لله وقادرًا على الأداء فلا داعي لفعل شيء يبقى ضررُه أكبر من نفعه لو كان فيه نفع. نحن لم نقل أن يستمر الرئيس البشير في الحكم ما دام أن هذا الأمر يأتي نتيجة عملية انتخابية. إن النفع في عدم ترشُّح البشير لا أدري ما هو.. فلم أرَ ما يفيد في ذلك. لكن الضرر السياسي الذي يمكن أن ينجم عن عدم الترشح ويقع على الحزب الحاكم هو انحسار عضويته وفقدان أصوات كثيرة في الانتخابات. فقواعد المؤتمر الوطني إضافة إلى مريدي الرئيس وهو رئيس نموذج وفوق العادة ليسوا جميعهم أعضاء في الحركة الإسلامية. إن الأخبار كانت تتحدث عن أن الجهة الفلانية أو القبيلة الفلانية أو الجماعة أو الطريقة الفلانية تبايع رئيس الجمهورية. فعدم ترشحه بالطبع سيترك الأثر السلبي على الحزب الحاكم. قلنا كل هذا قبل فترة ليست بالقصيرة.. ويشهد على ذلك أرشيف هذه الصحيفة. وها هو الآن أحد القيادات البارزة جداً يتخوَّف من عدم ترشُّح البشير. وليس البشير وحده في السودان. فتخيل أن حزب الأمة القومي لن يرشح زعيمه الصادق المهدي، تُرى ماذا سيحدث ونحن نعلم أن اسم المهدي ماركة مسجلة كما يقول عبد الله مسار؟! لكن البشير «ماركة شعبية جماهيرية مسجلة» بالنسبة للحزب الحاكم، وعليه ألا يرضى بالانتحار السياسي إذا أراد أن يكسب الانتخابات القادمة. إن عدم ترشحه قد يرجح فوز حزب آخر برئاسة الجمهورية أو «رئاسة الحكومة»، ودعونا نقرأ المستقبل الانتخابي للبلاد على افتراض نزاهة الانتخابات فهذا هو المفترض. أما الشعور بضمان فوز المؤتمر الوطني حتى إذا لم يُعد ترشيحه أي البشير، فيبقى هذا مؤشراً غير حميد فهو يعني أن مسألة الانتخابات شيء ديكوري، وأن الحزب الحاكم لا ينظر إلى الجماهير الكبيرة الملتفة حول الرئيس وتهتف في كل لقاء به بأعلى صوتها «سير سير يا بشير». إن أغلب الشعب السوداني أحب الإمام محمد أحمد المهدي وإسماعيل الأزهري، وبعد وفاة الأوّل واجهت التحديات الدولة المهدية، وبعد وفاة الثاني تفرق الاتحاديون أيدي سبأ، وخلت الساحة السياسية لصالح حزب الأمة فقد خلّف الأزهري فراغاً كبيراً برز بعد سقوط حكم نميري طبعاً. والآن عمر البشير وبعد ازدياد حجم السكان يكون قد كسب من الجماهير أكثر مما كسبه أولئك الزعماء المحبوبون جداً. إن أكبر إنجاز للحركة الإسلامية هو نموذج عمر البشير، لكن إذا فرطت فيه في الانتخابات القادمة تكون قد نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثاً. وإذا كسب المؤتمر الوطني الانتخابات القادمة دون أن يترشح البشير، فإن صوت الاتهام بتزوير الانتخابات سيعلو أكثر. نعم الانتخابات تحت الرقابة الدولية لكن الإدارة الأمريكية مثلاً قد ثبت لها أن الحكومة الإسلامية في الخرطوم بقيادة هؤلاء الإسلاميين تتعامل بذكاء خارق في كل شيء. لقد قارنت أمريكا بين حكومة الخرطوم وحكومات علمانية في دول كثيرة، فوجدت أن النتيجة هي ذكاء الخرطوم وغباء غيرها، فقد سقط الأغبياء في تونس ومصر وليبيا وها هم الآن يؤولون إلى السقوط في سوريا. إن البشير كسب سياسي كبير جداً للحركة الإسلامية.