من حق الرئيس عمر البشير أن يرفض ترشحه مجدّداً لرئاسة حزب المؤتمر الوطني الحاكم وكذلك رئاسة الجمهورية.. لكن إذا كان هو رئيس مسلم تسمح له الشريعة الإسلامية بأن يستمر حاكماً ما دام أنه «يستوفي» الشروط الأساسية للحكم، فلماذا يرفض إذن الترشّح محدّداً؟ الرئيس البشير في حوار أجرته معه صحيفة (الراية القطرية) أعلن عن عدم ترشحه مجدّداً لرئاسة الحزب والدولة، لكنه في الحوار لم يوضح السبب وراء هذا القرار ولم يفِدنا الحوار بأن يُسأل الرئيس عن أسباب عدم الترشح كان المطلوب أن يكون السؤال الثاني هو: «ما هي أسباب عدم ترشحكم مجدّداً؟» بعد السؤال الأول الذي يقول: «هل تطمحون في دورة رئاسية، أم أن هذه الدورة آخر عهدكم بالرئاسة؟».. بالطبع يكون مجال التكهنات مفتوحاً حينما لا تكون الأسباب واضحة.. وقد يتحدَّث البعض عن احتمالات لا تكون صحيحة لكنها بالتأثير الإعلامي، تتراءى للناس أنها الأسباب الحقيقية وقد تكون مضرّة سياسياً بالحزب الحاكم الذي يجزم أنه كسب أغلبية أصوات الناخبين في انتخابات نزيهة.. ثم من الحكمة الإسلامية في السياسة الشرعية أن لا يسعى الناس لتغيير الحاكم دون سبب شرعي مثل الشيخوخة التي كانت قد أصابت الحبيب بورقيبة الرئيس التونسي الأسبق في آخر سنوات عمره، وهذه المرحلة لم يصل إليها بعد الرئيس البشير.. وتفسير هذه الحكمة الشرعية يا أهل الحركة الإسلامية يا أصحاب شعار «لا بديل لشرع الله والقرآن دستور الأمة»، إن الحكمة هي الحفاظ على استقرار الحياة السياسية لصالح الدعوة الإسلامية الشاملة، فالحكم في الإسلام من أجل التمكين لصالح الدعوة والإرشاد وليس للرفاهية.. وما يجدر ذكره هنا أن البروفيسور جعفر شيخ إدريس كبير المفكرين الإسلاميين وعالم الفلسفة كان قد تساءل في برنامج تلفزيوني يقدمه الأستاذ الطاهر حسن التوم في قناة النيل الأزرق باسم مراجعات، قال ضيف الحلقة البروف جعفر شيخ إدريس: «لماذا يكون التفكير في تغيير الرئيس الحالي البشير»، وكان قد تساءل بطريقة استنكارية وكأنه يريد أن يقول: «ما الحكمة في تغييره وما هي «الفلسفة» في الإتيان بغيره من خاصية مصلحة المواطن أو من ناحية مشروع الدعوة الإسلامية»؟! ونتحدّث هنا في إطار شأن المؤتمر الوطني حتى لا يفهم البعض أننا نريد بما نكتب سد الطريق أمام أي بديل للبشير من الأحزاب الأخرى أو المستقلين يمكن أن يأتي بأغلبية أصوات الجماهير للحكم.. وندرك أن هناك فرقاً بين عصر وآخر، والآن يمكن أن تكون الاستفادة من حكمة استمرار الرئيس البشير كمرشح لحزبه حال يحالفه الفوز الانتخابي أما إذا لم يفز فهذا شيء آخر.. هذا يعني أن الحركة الإسلامية لم تحظَ بأغلبية أصوات الناخبين، وعليها أن تدرس أسباب الهزيمة الانتخابية لكي تعود إلى الحكم من جديد تحت شعاراتها المعروفة «لا ولاء لغير الله، لا بديل لشرع الله، القرآن دستور الأمة».. أما رفض الرئيس للترشح مجدّداً فهذا لا علاقة له بتطبيق هذه الشعارات الدعوية التأصيلية. وليست العبرة في مسيرة العمل الإسلامي بأن يتغير الحاكم المسلم دون سبب شرعي واضح، وإنما العبرة بأن يحافظ الحزب على المستوى الانتخابي الذي أوصله إلى السلطة أو أبقى عليه فيها.. وبالنسبة للمؤتمر الوطني فإن من عوامل الحفاظ على هذا المستوى الانتخابي كما يبدو هو أن يتمسك باستمرار رئيسه في الترشيح لرئاسة الجمهورية بعد أن نال تأييد قطاع كبير من الشعب السوداني منهم كثيرون خارج عضوية المؤتمر الوطني، وهذا هو الذي جعل تهمة تزوير الانتخابات بلا قرائن قوية وبلا كتاب منير.. لكن مجرد أن يقدم المؤتمر الوطني مرشحاً آخر غير البشير في المرحلة القادمة قد يخسر ويبقى احتمال الخسارة قوياً.. وإذا أردنا أن نحسب على البشير خطأً يمكن أن يرتكبه بحق حزبه هو ألا يترشح مجدداً كما أعلن.. وإذا كان قادة المؤتمر الوطني هم قادة للحركة الإسلامية فإن البشير يبقى قائداً شعبياً لمعظم الشعب ومنه معظم الإسلاميين وبهذا نفهم حجم الضرر السياسي بالحزب إذا لم يترشح مجدداً.. وهذا من باب التحليل.