لن ينقطع الحديث عن البروفيسور بحر العربية عبد اللّه الطيب المجذوب صاحب الصولات الخاصة في عالم العربية وآدابها فيكفي تماماً معرفته الجيدة بتراث الشعر العربي القديم وما إلى ذلك من تفاصيل غاية في الدقة حول تاريخه ونصوصه. داخل إبداعه اللغوي تبرز شاعريته الفذة والتي وصلت إلى مرحلة كتب فيها في أغلب الموضوعات الشعرية، وبهذا يكون واحداً من أخصّ الذين قاموا بكتابة أشعار خاصة به قبل أن تكون أشعاراً للعامة من القراء. تبرز خصوصياته الشعرية أكثر حيث تقرأ ديوانه (أصداء النيل) ففي هذا الديوان تبرز كذلك مقدرته على تعميم الخاص به ليصل إلى مرحلة التعميم الكلي داخل النص ومن ذلك قصيدته في نعت لندن: في هول أرض صيفها شتاؤها ملبد بحسبها سماؤها فسرت لا أعقل في الطريق صفراً من العدو والصديق ناءٍ عن الأهل بعيد الدار استشعر الحيرة ذا أفكار وهي قصيدة طويلة بها نعت حياته بلندن ما ظهر في عدد من الألفاظ اللغوية الخاصة بكره الحياة فيها. من أخصّ خصوصياته الشعرية تلك الرثاءات الحميمة لعدد من خاصته وأبرزهم المرحومان جمال محمد أحمد والشاعر ابن عمه محمد المهدي المجذوب. فجمال محمد أحمد كتب قصيدة بها من الخصوصيات ما ظهر شعراً بلاغياً وخاصة حين يقول: ذكرت جمالاً صديقي درج وكم لجمال الحياة ابتهج وكان فتى ذهبي المحيا يُرى فيه ضوء الحياة انبلج وعشنا زماناً وراء البحار وجمر الشباب شديد الوهج ونقرأ في شغف لا نمل بذوق سليم وفكر نضج نعوا لي جمالاً صديقي الفطن وجئت الصلاة فقالوا دفن بكيت عليه بدمع غزير وقلبي لموت جمال حزن ففي هذين النموذجين (نعت لندن) و(مرثية جمال محمد أحمد) تظهر حالة الخصوصية بصورة أوضحها النص بتلك الصورة الواضحة في اللغة والإحساس الواضح في جزئيتين (الحب والوفاء) نموذج قصيدة جمال محمد أحمد و(الكراهية والنعت) في نموذج قصيدة نعت لندن. داخل قصيدته في نعت لندن تتناقض حالة الكره والمقت لتصل إلى مرحلة انتظار عودة هدأته بعودته للوطن بقوله: إلى الخرطوم من بعد اغتراب وبعد بلي الشهي من الشباب وما الخرطوم داري غير أني غريب حيثما حلت ركابي غريب في بلادي سوف يفنى غريب في سباسبها سرابي دفنت بها الحبيب من الأماني وباينت القريب من الصحاب وأواني الرضا في ستر بيتي من الأهواء والإحن الغضاب ففي هذه الأبيات يتضح معنى ما أراده الشاعر فهو في منفى اختياري بالخرطوم عكس منفاه الإجباري بلندن التي ذهب إليها لغرض الدراسة وبقي بها زماناً طالباً للتحصيل العالي في علوم اللغة وآدابها. غير أن أدقّ تلك الخصوصيات ما ظهر في عدد من قصائد ديوان (أصداء النيل) وتحديداً قصيدة (دنا قلبي) وفيها يقول: دنا قلبي إلى روض غريب وغابات كأستار الغيوب ويوم باسم طلق دفيء كمضجع موسر غض رحيب نستلقي على الأعشاب نحسو بهمس الحب تلهيه الحبيب دنا قلبي إلى ليلى وتاقت إليها النفس من بون غريب وهي كذلك واحدة من القصائد التي أرّخت لواحدة من ضمن أخصب فتراته كشاعر وواضح أنه كتبها حيث شرخ شبابه لمحبوبة كانت لها لديه عدد من القصائد. في ديوانه الذي خصصه لأغلب موضوعات شعره في الأربعينيات والخمسينيات (أصداء النيل) نلحظ اهتمامه بكتابة عدد من الموضوعات الخاصة به كفرد له قضايا خاصة بل أدق خصوصية في سياقها الشعري ومن ذلك قصيدة (شكوى وعزاء). قد حز في النفس أني ليس يشكرني قومي بلائي وإبداعي وإحساني أمسى ينوه بي من ليس من وطني وبات يحسدني أهلي وجيراني إن التي حجبت عني زيارتها هاجت وقد هجع النوام أشجاني أخيراً هل كان البروفيسور عبد اللّه الطيب له من خصوصيات الأشعار ما كان شعراً فصيحاً له أكثر من النماذج السابقة.