العلاقات السودانية المصرية علاقات قديمة حددتها عوامل الجغرافيا السياسية والإرث التاريخي المشترك والدين وترابط الدم، لذلك هنالك العديد من المصالح المشتركة في مختلف المجالات وهي من الأهمية بحيث أنها تعمل على تعزيز علاقات التكامل بين البلدين. وقد شهدت العلاقات السودانية المصرية تأرجحاً مستمراً حيث تتطور إلى أفضل مستوياتها ثم يبلغ التوتر فيها حد القطيعة، إلا أنه بعد ثورة 25 يناير 2011 في مصر التي أحدثت تغييرات على الخريطة السياسية المصرية، أصبحت العلاقات السودانية المصرية تأخذ منحنى آخر وتسير نحو اتجاه التعاون وتوطيد العلاقات، وأصبح ملف السودان يُحظى بكثير من الاهتمام والأولويات واستمرت العلاقات المصرية السودانية على الرغم من أنها كانت ولا تزال في حالة مد وجزر، وذلك أن الحكومات المتعاقبة في البلدين لم تواجه ما يعيق استمرارها بالحل الشامل واتخذت أسلوب التهدئة والتسكين للمشكلات العالقة بين البلدين لإدراكها لأهمية هذه العلاقة وضرورة استمراريتها إلا أن الجوار الجغرافي والتاريخ المشترك والتمازج العرقي ومشترك اللغة العربية والثقافة من أبرز السمات ثَمَّ المصالح المشتركة في ظل تنامي العلاقات الدولية. ومن هذا المنطلق اتجهت كلٌّ من مصر والسودان إلى الارتباط ببعضها برباط علاقات «التكامل» في فترة من الفترات لتحقيق أفضل استخدامٍ للموارد المشتركة في مجالات السياسة والاقتصاد والاجتماع والأمن وصولاً إلى غاية رفاهية شعبَي وادي النيل وتأمينهما ضد المهددات الداخلية والخارجية. والآن وفي ظل الثورة التي رفعت شعارات الوطنية ومحاربة الفساد والإصلاح السياسي والإداري والاقتصادي قد تجد مصر أنها في طريق العودة إلى موقع الريادة في الوطن العربي والإسلامي، وأن هذا الطريق يمر عبر بوابة السودان الذي ستحتاج لدعمه الأمني باعتباره العمق الإستراتيجي لمصر ودعمه الاقتصادي لحل مشكلة الأمن الغذائي من خلال تلك الخلفيات الآنفة الذكر تأتي الزيارة المرتقبة للرئيس المصري محمد مرسي إلى الخرطوم يوم الخميس المقبل التى وصفها مراقبون بالتاريخية، وتعبر عن مجمل العلاقات بين البلدين الشقيقين ودفع مسارها في جميع المجالات وتوسيع نطاق التعاون الاقتصادي والتجاري والاستثماري الذي أشار إليه عماد سيد أحمد في تصريحاته الصحفية أخيراً أن الرئيس مرسي سيجري خلال الزيارة مباحثات مع نظيره الرئيس البشير تتناول العلاقات الثنائية بين البلدين وسبل تعزيزها كما سيلتقي قيادات حزب «المؤتمر الوطني» والأحزاب السودانية الأخرى وأعضاء الجالية المصرية بالسودان، مبيناً أن الخرطوم تجري الترتيبات اللازمة لاستقبال الرئيس المصري في هذه الزيارة التاريخية التي ربما تستمر ليومين، كما أوضح عمر عامر الوزير مفوض المتحدث الرسمي باسم الرئاسة المصرية عن زيارة مرسي للسودان الخميس المقبل، يبحث خلالها مع المشير البشير سبل تعزيز العلاقات الثنائية بين البلدين في مختلف المجالات والمباحثات ستتناول أيضاً مشاركة الشركات المصرية في عملية التنمية بالسودان، ومتابعة تنفيذ برامج واتفاقيات التعاون المختلفة التي تم التوصل إليها من خلال اللجنة العليا المصرية السودانية المشتركة. وحسب رؤية مُراقبون في أول زيارة لمرسي للسودان الذي وجد ترحيباً واسعاً لدى حزب المؤتمر الوطني الحاكم بالسودان بزيارة الرئيس محمد مرسي المقررة للخرطوم، معربين عن أملهم في أن تصب في دعم العلاقات المشتركة بما يحقق تطلعات الشعبين الشقيقين وأن الزيارة يمكن أن تمضي في اتجاه التأسيس الجيد لانتقال العلاقات الأخوية بين البلدين إلى واقع يمكن الأجهزة التنفيذية وحكومتي الدولتين من تحقيق الأهداف المشتركة. واعتبر الحزب زيارة الدكتور مرسي استكمالاً لجانب من زيارة رئيس حزب الحرية والعدالة لدفع العلاقات بين البلدين. بالرجوع إلى العلاقات السودانية المصرية فنجدها قديمة ومتجذرة، ولعل أول ما يتبادر إلى الأذهان حسب ما وصفه خبير القانون الدولي والمستشار القانوني للمجلس الأعلى للتكامل بين مصر والسودان د. شيخ الدين شدو ل «الإنتباهة» أن مصر دعمت ثورة الإنقاذ في عام 1989م في بداية عهدها نتيجة لمعلومات استخبارية مغلوطة رأت أن قادة الثورة هم من الذين يقفون مع الخط الناصري ويدعون إلى علاقات حميمية مع مصر، وقدَّمت مصر أول اعتراف بالنظام الجديد ودعمِه وقدمته للآخرين وباكتشاف اللَّبس الذي وقعت فيه أجهزة المخابرات المصرية نكصت مصر عن دعمها بل واجهت النظام بالعداء واستغلت انشغال السودان بالوضع في الجنوب والناحية الأمنية ومواجهة المشكلات الاقتصادية التي ورثتها ثورة الإنقاذ وقامت باحتلال «مثلث حلايب» تلك القضية المسكوت عنها طوال العهود السابقة منذ عهد عبد الناصر. واعتبر السودان ذلك عداءً سافراً من الحكومة المصرية ينصب في الرؤية الأمريكية التي رأت أن التضييِّق على السودان بفرض القيود والحظر والمقاطعة الاقتصادية ومحاربته من قِبَل جيرانه تلك الخطة التي رعتها «مادلين أولبرايت» وزيرة الخارجية في ذلك الزمان، وجمعت ستاً من دول جوار السودان وفي عام 1995م وصلت العلاقات إلى مفترق طرق بعد حادثة محاولة اغتيال الرئيس مبارك في «أديس أبابا» حيث تصاعد التوتر وتأزم الموقف وتأثرت المصالح المشتركة بين البلدين، إلا أن حدة التوتر انخفضت واكتفى البلدان بما يمكن أن يدخل في نطاق الحرب الباردة أو بين الشد والجذب والتعاون والتنسيق في المحافل الدولية أحياناً حتى درجة الاتفاق على الحريات الأربع بين البلدين.