لنجيب محفوظ (ثلاثية)... ولكوكب الشرق أم كلثوم (ثلاثية).. بعد ثورة شعبان... أيضاً في جامعة الخرطوم... كان الإخوان المسلمون في داخليات (البركس) ينشدون (الثلاثية الإخوانية) وهي ( يا مُنَى النفس) و(والى التطريب يا حمام) و(لظلام الليل معنى). وكلها من كلمات جعفر ميرغني وألحان وإنشاد يوسف مغازي صاحب الصوت الرخيم الجميل العميق وصاحب الطيبة الوافرة. أحياناً تصبح (الثلاثية) رباعية، عندما ينشد (الإخوان) بقيادة يوسف مغازي (أقيف عندك) من كلمات الأستاذ صادق عبد الله عبد الماجد، وهي أغنية وطنية تستخف بالشيوعيين... (أقيف عندك... وجيت من وين... وين ماشي... غريب شكلك... دخيل أصلك... دوام طاشي)... ولها لحن جميل وضعه يوسف مغازي الطالب بكلية الإقتصاد بجامعة الخرطوم. بعد (مغازي) صمت الفن التنظيمي (الإخواني)، حتى ظهر الفنان زين العابدين طه الذي قام بتلحين (هاك من دار جعل يا جون قرنق مكتوب... من الجيلي لاعند دامر المجذوب). كما قام بتلحين (أمّاه لا تجزعي فالحافظ الله) وهي من كلمات الدكتور الشهيد عمر النامي وهو شاعر ليبي من جذور بربرية. وهذا اللحن أصلاً كان الفنان زين العابدين قد لحّن به قصيدة (جاد نسيم) للشاعر علي أحمدانة الشهير ب (علي المساح). وبعد انضمامه إلى الإخوان المسلمين، قام زين العابدين بتحويل لحن (جاد نسيم) إلى (أمّاه لا تجزعي). بهدوءٍ تبدو براءته سألت د. جعفر ميرغني وهو جالس على (بنش) شمال كلية الآداب، وكان برفقته صديقه سيف الدين محمد أحمد (الدكتور)، سألته مَن هي (مُنَى النفس)؟. فقال هم (الإخوان) في الجامعة. فسألت مرة ثانية ولكن (الأنس والبسمات والثغر العذاب) كلّ ذلك وكلّ هذا الشعر في الإخوان؟. ولم يعلِّق الدكتور الموسوعة. الأخ الأديب ابن عمر محمد أحمد يطربه ذلك النوع من الأسئلة التي تتحرّى الحقيقة عن (مُنَى النفس). الصديق الدكتور (م.ي.ع.م) بحيائه ورقّته عندما كان خاطباً ويسمع الناس في الأعياد يقولون (القابلة على مُنَى) كان يبتسم ابتسامة واسعة، لأن خطيبته اسمها (مُنَى). الشهيد عبد الفضيل إبراهيم كان محبّاً ومولعاً بشخصية جعفر ميرغني (الدكتور) وعبد الرحيم علي (الدكتور). وكان رواية لأشعار جعفر ميرغني التي لم يطِّلع عليها إلاّ القليل جداً. قال عبد الفضيل وهو راوية وعارف بأشعار جعفر ميرغني (واحتملناه فطابا) ترجع إلى اقتباس من سورة الجمعة آية رقم 5 (مثل الذين حُمِّلوا التوراة ثمَّ لم يحملوها). يقول البيت والذي يليه (كم جنينا العلم غضّاً... واحتملناه فطابا... وعمرنا من شعاب النفس ما كان خرابا). ذلك الشعر الجميل بعض من أدب السجون السودانية وحصاد من تجربة الإسلاميين وراء الأسوار المايوية لنظام الرئيس جعفر نميري. كان عبد الفضيل أيضاً يحبّ د. محمد الواثق ويحب أشعاره ويحفظها وقد قرأ لي إحدى أشعار د. الواثق التي تقول (تبدو براءته لكنه شَبِقُ). وحتى هذه اللحظة لا يعلم أحد في جامعة الخرطوم أو غيرها، مَن هذا الذي تبدو براءته ويظهر خلاف ما يبطن!. من الشعر الذي كان يلقيه عبد الفضيل من الذاكرة.. يا ليت شعري والبيانُ له طُرُوزُه... والقولُ يقنعُ كلّ ذي لُبٍّ وجيزُه... الخلدُ ما أحدٌ من الدنيا يحوزُه... والحسنُ طِلّسْمٌ تحيِّرنا رموزه... والحبُّ إن طوعاً وإن كرهاً نَرُوزُه... الفكر ذاك المرجل الداوي أزيزُه... صعبُ الجنا أبداً ممنَّعُه عزيزُه... للّهِ يا حسناءُ ما أحلاكِ في ذاك (البلوزُه). وهنا استخدم الشاعر (بْلُوزُهْ) بنطقها الفرنسي. سألت عبد الفضيل مَن الشاعر، وعلى ودِّه ولطفه لم يخبرني. لقد استودِع سرِّاً لا يريد أن يذيعهُ. سرّ (الشيخ الإخواني) الذي يتغزل في طالبة جامعية ترتدي (بلوزه)!.