(.. يأتي في بنطلون الجينز الأزرق، قميصه كالمعتاد بلا ياقة، بلا زرار، متابطاً حقيبته المصنوعة من جلد أصيل، أو يعلقها في دعة على كتفه الناحل يجلس إلى مكتبه المطلّ على حديقة المصلحة (مصلحة الثقافة )، وهي حديقة من بقايا آثار الإنجليز، إذ المكاتب تقوم في بيت قديم من بيوت الإداريين البريطانيين القدامى. في ركنه القصيّ عدة غرف صغيرة، كانت أصطبلات لخيول ساكنيه. تأتي القهوة معه، ونتحلق حوله، ونسمع الحكاوي). هكذا حدثنا عنه الأديب الدبلوماسي جمال محمد إبراهيم في ذكراه الأولى بعد الرحيل، سطور كأنها خارجة من بين دفتي رواية مُحكمة أسلوب سلس وآسر وكلمات صادقة نافذة في حق الراحل؛ المخرج السينمائي والفنان التشكيلي حسين شريف حفيد الإمام المهدي الإنسان المتواضع الهادئ والمبدع الهادر بدأ الإخراج السينمائي الوثائقي في أول أفلامه (رمي النار) عام (1973م) وهو عن عادات قبيلة من القرنيين جنوب شرق السودان يرمون الحجارة عند شروق الشمس بعد موسم الحصاد، وحقق فيلمه الثاني انتزاع الكهرمان (1975م) نجاحًا في المهرجانات الدولية. يقول أديبنا جمال إنه لمّا جاء حسين بمشروعه الشاعري السينمائي عن مدينة سواكن الأثرية عند ساحل البحر الأحمر، بصَمَ (الفنان) الصلحي، قبل أن يبصم (الوكيل) الصلحي، على موافقة ومساندة للمشروع، ليكون جهداً تنتجه مصلحة الثقافة الناشئة، فيعرف الناس أن قسم السينما فيها، يفعل المعجزات، بإمكانيات ضئيلة وموازنات مالية شحيحة، ولكن بخيال إبداعيّ جبار.يقولون (من خلَّف لمْ يمت)!! وهي تقال في الذرية حفظهم الله ورعاهم. ويجوز لنا ان نطلقها ونعني بها ما خلف الراحل من إبداع متنوع في الرسم والإخراج والتصوير والشعر فأي حياة نابضة ترك لنا..! ومما ترك ما هو عمل مكتمل وما هو بداية بلا اكتمال.. وكل ما نرجوه ونضم صوتنا لصوت الدبلوماسي جمال أن تتحرك الجهات المختلفة المعنية بهذا الإبداع ويُجمع ويُعرض بما يلزم على الناس!! وكم من أسماء بقدر الموهبة والإمكانات والعطاء ممن رحلوا ومن هم على قيد الحياة ولم يجد أصحابها ما يستحقون من الاهتمام والرعاية والدعم..