مما لاشك فيه أن الأمتين العربية والإفريقية لم تعيشا مرحلة مليئة بالإحباط والهزائم بمثل ما تعيشانها الآن. ولن نتصف بالمبالغة ان قلنا إن الصدمات التي يتعرض لها الوطن العربي الآن تفوق بكثير تلك الصدمة التي صعقت الشعوب العربية في أعقاب هزيمة يونيو «1967م». وحتى حينما حدثت الهزيمة آنذاك ظل بصيص من الأمل يهدهد الحلم العربي في إمكانية إعادة الأمور إلى نصابها واستخراج فرحة نصر جديد من بين واقع مأزوم ومهزوم معنويًا وعسكريًا برغم ضعف هذا الأمل وقلة الحيلة آنذاك. وبرغم أن تلك الهزيمة بدا أن لا أسوأ منها يمكن أن يمر على الأمة العربية، إلا أن ما تواجهه الأمة الآن يذهب إلى أبعد من ذلك بكثير، إذ أن ما يتهددها هذه المرة هو الأمل نفسه، والذي يمثل يومها وغدها ومستقبلها. هذه الحقيقة ينبغي أن تستنفر فينا كل طاقات وقدرات الرؤية، لنعي حجم الأخطار المحدقة بنا.. ويقينا لن تتوقف محاولات تمزيق هذه الأمة وقطع أوصالها.. ولن تتوقف محاولات بث الفرقة والترويج للوقيعة بين الشعوب العربية، ولن تسكت أصوات (جاهلية) هذا الزمان التي تظل تدعو إلى كافة صور ونعرات الشعوبية والطائفية، ومن هنا يصبح التحذير من الانزلاق في هذا الاتجاه الخطير جدًا ضرورة ملحة، وبالضرورة تكون الدعوة إلى سد المنافذ أمام دعاة الفرقة ومروجي بأسها مسؤولية قومية، والتشبث بكل صيغ رأب الصدع قطعاً هو ضمان (قد) يشكل أملاً في ظل الظروف الآنية الصعبة. وأول ما ينبغي الالتفات إليه في تقديرنا هو أهمية الدور الذي يمكن أن تلعبه المنظمات المحلية المتخصصة، سواء كانت سياسية أو ثقافية أو اقتصادية أو اجتماعية في عملية إعداد المجتمعات العربية لما هو مطلوب منها على المديين الطويل والقصير. إذ أن هذه المنظمات مطالبة أكثر من أي وقت مضى بأن تواصل العمل والإعداد لغد لا بد أنه قادم يومًا ما وإن بعدت الشقة وطال السفر. ما قادنا للحديث في هذا الموضوع هو اقتراب موعد انعقاد جلسات المؤتمر التأسيسي لمجلس الأحزاب الإفريقية الذي تستضيفه الخرطوم في خواتيم أبريل الجاري، والذي يهدف لتأكيد الدور الريادي للقارة الإفريقية والعمل على خدمة أهدافها الإستراتيجية بخلق فضاء إفريقي واسع مساند لهذه القضايا عبر تجمع لأحزاب القارة السياسية لتبلور رؤية تساعد شعوب القارة لتعجيل نهضتها وتحسين وتنسيق المواقف في إطار العمل المشترك وجعل شعوب القارة مركز الاهتمام. وإذا نظرنا لتلك الأهداف نجدها تصب في ذات محور الحديث عن دور المنظمات المحلية والإقليمية. وكما يقولون (أهل مكه أدرى بشعابها) ويقيناً أن هذه الخطوة تمثل بارقة أمل وضرورات الحديث هنا كثيرة جدًا، فالقارة وشعوبها تمران بأزمة حقيقية ترتبط بالكثير من مآلات أوضاع لم تكن لهم فيها يد، ورغم أن الزمان غير الزمان فقد تغيرت الكثير من الأوضاع في أغلب البلدان الإفريقية ولا يوجد مجال للمقارنة بين حال وحال، أي بين ما كان في عهود ماضية تحملت فيها القارة وشعوبها الكثير من المآسي جراء التدخلات الخارجية والأطماع الأجنبية، وما هو كائن الآن. وبرغم اختلاف الحال إلا أن معظم الدول الإفريقية مازالت فقيرة وثرواتها إما مجهولة، وإما تحت رحمة الأجنبي وبالتأكيد فإن المقصود هنا ليس الاستعمار بمفهومه التقليدي القديم، ذلك أن عجلة التغيير والتطور جعلت هذا المصطلح يحمل معنيً مفاهيميًا واسعًا يكاد يتجاوز الاحتلال التقليدي بكل سماته المعروفة، وحولته إلى شيء آخر أكثر عمقًا بكثير. إن الكثير من الدول الإفريقية والأمة العربية التي تقع أيضًا الكثير من عواصمها في القارة السمراء قد صارت مستقلة الإرادة، ولها مقومات الدول في معظم الأحوال، فالدفاعات العسكرية، والثقافة والفكر والفن والأدب، إضافة إلى الثروات المادية الضخمة المستغلة وغير المستغلة، أضحت جميعها مما يميز دول القارة. وشملتها كما العالم الثورة المعلوماتية، التي ربطتها بالعالم من حولها عبر محطات الإذاعة والتلفزيون والصحف والإذاعات. وبرغم كل هذا التطور الكبير والذي يعتبر إنجازًا في ظل كل ما مرت وتمر به القارة فإن هذه الدول عربيةً وإفريقية تمر بأخطر الظروف، وتتهددها الكثير من أسباب ومسببات الخلاف، في ظل عالم أصبح يموج بالتكتلات ولا مكان فيه للعزلة والفردية. ولهذا فإنه ليس بمستهجن القبول الذي لاقته فكرة قيام مؤتمر تأسيسي للأحزاب الإفريقية حيث هي يقع على عاتقها الدور الأكبر في قيادة مجتمعاتها وهو ما يمثل أي المؤتمر خروج للقارة وشعوبها من ظلمة الفرقة والشتات إلى نور الوحدة والاتفاق ومن مرحلة الانكفاء على الذات إلى زمان الانفتاح على العالم، وهو بلا شك سيؤدي إلى انتزاع اهتمام عالمي بالقارة عوضاً عن حالة التجاهل السابقة، وقطعاً فإن قيام المؤتمر التأسيسي لمجلس الأحزاب الإفريقية بالخرطوم تحديدًا له أكثر من معنى ومدلول في هذا التوقيت بالذات وهو رسالة إلى العالم بأسره في وقت نحن أحوج ما نكون فيه لإثبات الوجود ولتحقيق وحدة الصف الإفريقي.