لم يكن «أحمد» يعرف أنه عندما خرج مودعًا أولاده ذلك المساء أه لن يراهم من جديد بعد أن صعقته كهرباء المولد الذي تسلقه دون أن يعلم أنها آخر لحظات له في الدنيا.. تعد مهنة الكهربجي من أخطر المهن وأكثرها عرضة للعاهات والوفيات، والسبب أن الكهربجي يتعامل مع مادة خطرة للغاية لا ترحم ولا تعرف التهاون أو الهفوات فأي غلطة ولو كانت صغيرة قد تجعل الكهربجي في عداد الأموات، وإذا نجا منها يصاب بعاهة قد ترافقه العمر كله، وبالرغم من هذا نجد أن الكهربجي يعيش في ضنك من العيش وكساد في العمل والقليل من الأجر بالمقارنة مع الخطورة التي يتعرض لها في عمله. العم السر قال إن الكهربجي سمعة قبل كل شيء فكلما أجاد عمله وأتقنه أصبحت له سمعة جيدة ونال ثقة أكبر عدد من الناس، والكهربجي أيضًا أخلاق، إذا تعامل بأدب ولم يطمع في الزبون، وكذلك لم ينتهك الحرمات مثل النظر لعورات البيت والسرقة وما شابه ذلك يكون صنايعيًا ممتازًا ومحافظًا على لقمة عيشه، فكثير من الكهربجية لا يراعون الله في البيوت التي يدخلون لها، وبذلك يقطعون عيشهم، وأنا والحمد لله أمتلك سمعة جيدة واحترامًا من كل الناس لأني أتقن عملي ولا أغش ولا أخادع ولذلك كثير من الناس يطلبوني ولا يخافون مني فتجد صاحب البيت في العمل أو مسافر ويضرب لي دون أن يخاف أن أذهب إلى منزله وأصلح العطل الفلاني، ومرات كثيرة بسبب سمعتي عندهم أذهب للشخص وأطلب منه إعطائي مالاً خاصة عندما تكون الحالة «واقفة» دون أن أشتغل له شيئًا يعطيني، ولهذا أنصح أي كهربجي أن يخاف الله وأن يعمل بإخلاص. أما عبد الهادي فقال إن عمل الكهربجي كثير المشكلات وقليل، وكثير من الناس لا يحترمون المهنيين وأصحاب الحرف فينظرون إليهم نظرة فوقية وكأنهم ليسوا بشراً وإن كانوا خارج السودان يجدون احترامًا وينالون عائداً مادياً مجزياً دون أي مساومة أو تبخيس للعمل ولا يتدخل أحد في عملك، ولكن هنا عندنا في السودان تشعر أنك داخل إحدى كليات الهندسة فكل واحد من أفراد الأسرة له رأي ونظرية تذهب للعمل تخبرك الزوجة بأن تقوم بكذا وتبدأ العمل على حسب ما تريده فيأتي الزوج وينتقد كل الذي أنجزناه من العمل ويطلب العمل من جديد وإذا اعترضت يقومون بإخراجك من المنزل. أما الفاتح فبدأ حديثة قائلاً: كل السودانين كهربجية ولهذا الشغل تعبان، وكثيراً ما يأتي الزبون ويتحدث عن مشكلة الكهرباء التي لديه في المنزل وعندما نذهب معه تجد الوضع أكبر مما أوضحه لك، وهذا يدخلنا في مشكلة أخرى هي أنك تكون قد اتفقت معه على سعر وعندما تبدأ في العمل تجد أن الموضوع طويل ولا يستحق الأجر المتفق عليه فتكون أمام خيارين إما أن تواصل عملك وتستعوض الله أو أن تتركه وتضيع اليوم عليك فلما ترجع وتقف ثانية يكون اليوم انتهى فترجع إلى أولادك خالي الوفاض أما «محيي الدين» فقال إنها مهنة المخاطر والمشكلات لأن الناس لا تقدِّر ما تتعرض له من خطر فإذا قمت بالعمل بسرعة يقللون من أجرك ويعطونك له ناقصاً ويقول لك الزبون انت «هسه عملت شنو» أما إذا أخذت وقتًا أطول يتهمونك بأنك لا تعرف شيئًا وهناك أشخاص لا يعطونك حقك بعد أن تنتهي لهم من عملهم ليعلقوك بالذهاب والعودة وفي النهاية تترك لهم حقك. وهناك صدمة كبيرة تعرض لها «جمال» عندما أتى من قريته الصغيرة التي كان يُعتبر فيها الكهربجي الأول وكثير من الأهالي يلجأون له في كل صغيرة وكبيرة وذلك عندما قرر القدوم للخرطوم والعمل فيها ممنياً النفس بالمكسب الكبير والعمل الوفير، ولكنه صُدم عندما وجد أن الأمور في غاية الصعوبة، فهو لم يتعود أن يعرض خدماته بل كان الناس يأتون إليه ولم يتنافس من أجل الحصول على عمل ويطارد الزبائن كما يفعلون هنا في الخرطوم ولذلك قرر أن يعود أدراجه. أما التقي فيقول إن وضع الكهربجية بات أصعب بسبب الأعداد الكبيرة للكهربجية وضعف الأجر وأن هناك الكثيرين يتعدون على المهنة دون أن تكون لديهم الخبرة الكافية للعمل فهي مهنة حساسة وتتطلب حنكة وخبرة لأن أي أخطاء قد تؤدي إلى كارثة تعود بأضرار كبيرة للطرفين سواء الصنايعي أو المخدم ولهذا يرى أن يراعي الذي يريد كهربجيًا مخدميه حتى لا يتعرض لأضرار. أما علي فيقول إن هذه المهنة أصبحت تتطلب دراسة وتدريبًا فقد انتهى عهد الصنعة والكهربجية الكبار، فبعد التقدم الذي صار في مجال الكهرباء والمنازل لم تعد هناك توصيلات سهلة كما كان سابقًا وأكثر العمل أصبح في البنايات الكبيرة التي تتطلب دراسة للمبنى والخرائط ودخل إلى سوق العمل الكثير من المهندسين والفنيين واحتلوا مساحة كبيرة من الصنايعية. أما «آدم» فيطالب بأن يكون هناك تأمين للكهربجية مثل أي فئة خدمية اخرى وأنه يجب على الدولة النظر إلى هؤلاء الناس فكثير منهم فقدوا أطرافهم وبصرهم لم يعودوا يستطيعون العمل والسبب أنه لا يوجد لديهم تأمين على حياتهم مناشدًا الجهات ذات الاختصاص التحرك وإنقاذ ما يمكن إنقاذه لهذه الفئة المنسية.