طبعاً بعد أن أطلقت سلطات جوبا سراح المواطن السوداني تلفون كوكو أبو جلحة بعد أن كان معتقلاً منذ قبل انفصال الجنوب، فإنه سيتوجه من جوبا إلى الخرطوم وليس إلى كاودا. ولا بد هنا من التساؤل لماذا إلى (الخرطوم)؟!. فهل خرج الرجل من قطاع الشمال بالحركة الشعبية (لتحرير السودان)؟!.. إن أعضاء هذا القطاع لا وجود لقادتهم في الخرطوم بحكم الحرب الدائرة في جنوب كردفان والنيل الأزرق. ولن يعيد تاريخ تلفون نفسه كما يبدو. فهو قد تعرّض للاعتقال من قبل رفاقه عام 1993م ولم يُطلق سراحه إلا بعد ثلاث سنوات قضاها في سجن التمرد بقيادة جون قرنق، وبعد ذلك عاد إلى صفوف الجيش الشعبي وربما كان يرى أن بأس المتمردين بينهم الشديد الذي عاناه لثلاث سنوات أهون عليه من أن يعود إلى الخرطوم ضمن قافلة سلام. تلفون كوكو (سجين مخضرم) فقد مكث في سجن الحركة الشعبية قبل وبعد الانفصال. قبل الانفصال كانت البلاد مقسمة سيادياً بموجب اتفاقية نيفاشا إلى جزئين هما شمال السودان وجنوبه، وتلفون كوكو لأنه عضو بالحركة الشعبية كان يخضع لسلطة (الجنوب).. رغم أنه شمالي من جبال النوبة. لكن قضية الجنوب أصبحت لاحقاً مزدوجة بعد أن دخلتها العناصر الشمالية، لذلك كان لا بد أن يكون (تلفون) الشمالي في سجن جنوبي. لكن بعد إعلان انفصال جنوب السودان فإن الشماليين في الجيش الشعبي كان وضعهم غريباً وعجيباً. فمثلاً تلفون كوكو كان ينبغي أن يقدَّم إلى محاكمة بعد إعلان الانفصال لأنه وقتها أصبح أجنبياً في الدولة الجديدة. وهذا لم يحدث، وقد تعاملت معه حكومة جوباالجديدة باعتباره بلا هوية، وكأنه أحد المرتزقة. الآن أطلقت دولة الجنوب سراحه عقب توقيعها اتفاقاً مع الأممالمتحدة يقضي بإطلاق سراحه.. ولم يقدم إلى محاكمة. وقد كان متهماً بالخيانة ومخالفة الأوامر العسكرية. والآن لا هو مُدان بهذه التُهم ولا بُرئت ساحته هناك. وقد وافقت رغم ذلك جوبا على إطلاق سراحه وسلّمته الأمر بإطلاق سراحه. فلو كانت سلطات جوبا على حق في اعتقال (تلفون) لماذا توافق على إطلاق سراحه بعد ثلاث سنوات دون محاكمة؟!.. وهل اعتبرت هذه الفترة عقوبة له دون محاكمة؟!.. إن هذا الإجراء الذي قامت به الأممالمتحدة يدل على أن دولة جنوب السودان مشكلة كبيرة داخل القارة الإفريقية، فيمكن أن تتلقى أوامر من قوى أجنبية مثل (الأممالمتحدة) بأن تستضيف نشاط تمرد أو تدعم مليشيا متمردة ضد أية دولة إفريقية. إن إطلاق سراح تلفون كوكو قد تأخر، وكان من المفترض أن يكون عقب إعلان الانفصال بعد أن أصبح أجنبياً هناك في الدولة الجديدة. لكن عشم البعض في ضم جبال النوبة إليها كان وراء ضم (تلفون) قبلها. على أية حال فإن السيد تلفون كوكو قد عاد إلى وطنه بعد أن دفع ثمن تمرده الأول قبل الانفصال. وهو لم يشارك بالطبع في التمرد بعد الانفصال؛ لأنه كان في سجون الجيش الشعبي وقد خسرت الحركة الشعبية شخصية مهمة وعظيمة من جبال النوبة وهي تخوض الحرب في الجزء الجنوبي من تلك الجبال. وبهذا يتأكد لنا أن الحركة ليست جديرة بأن تنجح لا في تمرد ولا في مشروع سلام، فهي فقط عبارة عن كيان مرتزقة لصالح مشرعات أجنبية تآمرية. فمرحباً بتلفون كوكو في صفحات الصحف وشاشات القنوات وأثير الإذاعات.