الزيارة التي سجلها الرئيس المصري محمد مرسي لروسيا تفتح أبوابًا كانت مغلقة دونما سبب يذكر. وقد ذكر الرئيس مرسي حين تسلم مقاليد الرئاسة أن مصر ستتجه شرقاً، وكان يعني فيما يعني روسيا! يبدو أن المشهد في ستينيات القرن الماضي أخذ يعيد نفسه، فلو ذكرنا التاريخ جيداً، حين طلبت مصر قرضًا لبناء السد العالي، وتدخلت أمريكا لدى البنك الدولي «وهو أداة أمريكية» وحينها كان روبرت ماكنمارا مديراً للبنك الدولي وكان قبلها وزيراً للدفاع في حكومة ايزنهاور، رفض البنك الدولي تمويل مشروع السد العالي وتصدى الاتحاد السوفيتي ومول وشيد السد العالي!!. واليوم التاريخ يعيد نفسه فبعد مباحثات مع صندوق النقد «وهو أداة أمريكية» لمنح مصر قرضاً، لم تنجح المفاوضات، وعادت روسيا مرة ثانية للواجهة بعد أن توجه إليها الرئيس المصري!! مصر دولة مفصلية في المنطقة، وروسيا كقوة عالمية ذات شأن يمكنها تقديم الكثير المفيد لبلديهما ولكافة المنطقة التي تضم الشرق الأوسط وشمال إفريقيا والبحر الأحمر، فالوجود الاقتصادي والسياسي الروسي في المنطقة يوجد التوازن في المنطقة وقد غاب منها طويلاً، الأمر الذي زرع عدم الاستقرار في المنطقة التي تعتبر من أهم مناطق الصراع في العالم!! اليوم وزارتا المالية في كل من روسيا ومصر تدرسان القرض، وهو قرض غير صغير، كما أن المباحثات شملت تقديم المساعدة في تحديث صوامع الغلال وإنشاء أخرى جديدة، مع احتمال زيادة تصدير الحبوب إلى مصر وقد ارتبط هذا بزيادة إنتاج الحبوب في روسيا هذا العام، وجدير بالذكر أن مصر تستورد من الحبوب ما يقارب الأربعين في المائة من احتياجتها!!. وجاءت دعوة مصر لشركات البترول والغاز للعمل في مصر في مكانها، وقد تطورت هذه الصناعة في روسيا تطوراً ملحوظاً ويكفي أن نورد الإحصائيات فروسيا اليوم هي أكبر منتج للنفط في العالم حيث يزيد إنتاجها اليومي عن الاثني عشر مليون برميل!! أما في مجال الغاز فروسيا تحتل المرتبة الأولى في العالم بلا منازع، فهي تمد أوروبا باحتياجاتها من الغاز وبنسبة زادت عن الثلاثين في المائة!!. وقد عبر الرئيس مرسي عن رغبة مصر في التكنولوجيا الروسية وعن التعاون الروسي المصري في مجال الطاقة الكهربائية الحرارية والغازية والذرية، ولا شك أن روسيا لها بون في هذا المجال!!. وفي اعتقادي أن التعاون الاقتصادي والسياسي بين روسيا ومصر يصب في مصلحة البلدين بل وتتعداهما لكل المنطقة، كما أن تطور العلاقات بين السودان وروسيا، والسودان ومصر من جهة أخرى، سوف يوجد مناخ تعاوني واقتصادي وسياسي في المنطقة، خاصة أن الدولتين تشاطئان البحر الأحمر وهو أهم الممرات المائية والإستراتيجية في العالم والوجود الروسي هنا له أهمية كبيرة حيث يتم توازن القوى بعد أن اختل بسبب الغياب الروسي!!. كما أن مشاطئة مصر للبحر الأبيض المتوسط تزيد من أهمية مصر إقليمياً وعالمياً، وهذه الحقيقة تضع لها الدبلوماسية الروسية اعتباراً كبيراً، وأعتقد أن روسيا سترحب بأي تعاون اقتصادي مع مصر، هذا التعاون يصب في مصلحة الشعبين، كما أنه يقوي الموقف السياسي المصري في المنطقة، كما أنه يضيف لروسيا قوة سياسية ووجود اقتصادي في المنطقة، هذا إلى جانب دعم مركزها كقوة سياسية وعسكرية عالمية!!، السياسة الروسية الآن تعمل على تقوية الاقتصاد عن طريق التعاون المثمر مع مختلف بلدان العالم، وهي «أي روسيا» لا تحمل أطماعاً تجاه ثروات الآخرين، وترغب في النهوض الاقتصادي للعالم، بعكس السياسة الأمريكية التي اعترف الكثيرون بجرائمها ومنهم القاتل الاقتصادي جون بيركنز في كتابه «اعترافات قاتل اقتصادي» وقد شرح فيه كيف تم قتل دول بأكملها اقتصادياً، وماذا يحدث لرئيس الدولة التي ترفض الانصياع للسياسة الأمريكية القاتلة!!. وجود روسيا في المنطقة يعزز من عملية السلام في أكثر مناطق العالم توتراً، فالوجود الروسي في مصر، يفتح الطريق للوجود في السودان وهذا يعني الانفتاح على غرب إفريقيا ومنطقة البحيرات والقرن الإفريقي «وهي مناطق صراع وأطماع أمريكية» إلى جانب الوجود الروسي في البحر الأحمر!!. والدبلوماسية الروسية دائماً ما تسعى لحل الخلافات بالمفاوضات السلمية وليس بالقوة العسكرية رغم ما تملك من قوى ردع يحسب لها العالم ألف حساب، وحب السلام لدى المواطن الروسي مكون أساسي لحياته، فهو أكثر من دفع ثمنًا للسلام في الحرب العالمية الثانية، لذلك تجده متمسكاً بالسلام بقوة وهذا إيمان المواطن البسيط ورئيس الدولة سواء بسواء!! روسيا الفيدرالية هي الأقرب للعرب والمسلمين دينيًا، فإذا نظرنا إلى إحصائية المسلمين الروس والذين يحملون الجنسية الروسية لوجدناهم الأكثر في كل أوربا وأمريكا مجتمعين، وهذه الحقيقة لو تم استغلالها لكانت خيراً على كل من روسيا والمسلمين، هناك بعض العناصر المتطرفة ومن هؤلاء تعاني البلاد العربية والإسلامية كما تعاني روسيا، وتعاون مع البلاد العربية والإسلامية سوف يقضي بمرور الزمن على ظاهرة التطرف، والقضاء على هذه الظاهرة يتم اقتصادياً برفع مستوى معيشة المواطن العربي والمسلم والذي سيحافظ على مكتسباته ويدافع عنها ضد كل عمل تخريبي!! وإذا أخذنا الدور المسيحي فإن الكنيسة الروسية هي ذات الكنيسة الأرثوزوكسية في الشرق، لذا نجد أن كل العوامل اقتصادية وسياسية ودينية تجمع ما بين روسيا والشرق الإسلامي والمسيحي، والتعاون الاقتصادي بين روسيا والدول العربية سوف يزيل كل التشاحنات العرقية والاثنية والدينية التي تسود العالم العربي اليوم!! كما لا دور لروسيا كعضو مراقب في منظمة المؤتمر الإسلامي، والذي يمكن لروسيا المشاركة الفعالة في المشروعات التنموية التي تخطط لها منظمة المؤتمر الإسلامي، وكمثال أورد خط داركار بورتسودان الحديدي والذي يربط دول غرب إفريقيا ويمر عبر السودان بأكثر من ثلاثة آلاف كيلومتر ومصر والسودان عضوان مؤثران في المنظمة، والتعاون الاقتصادي المفيد بين روسيا ومصر والسودان يمثل ورقة رابحة لروسيا لزيادة آفاق التعاون مع الدول العربية والإسلامية!! خطوة جريئة قام بها الرئيس مرسي، وباب واسع للتعاون تفتحه روسيا بترحيبها بالتعاون مع مصر الأمر الذي لا شك فيه يصب في مصلحة الشعبين والبلدين ويفتح المجال واسعاً للآخرين، ولم لا ما دامت المنفعة متبادلة!!