تتحدَّث الأوساط السياسية السودانية عن دعوة أمريكية وجهت للدكتور نافع لزيارتها مع وفد رفيع المستوى، وهذه الدعوة تعكس التناقض في السياسة الأمريكية، حيث إنها كانت ترفض أي زيارة من هذا النوع، وقد تقاعست الخارجية الأمريكية عن لقاء وزير الخارجية السوداني مع نظيره الأمريكي!!..قبل نيفاشا تمت مقابلة النائب الأول في بريطانيا مع أحد موظفي الخارجية الأمريكية واللقاء تم في لندن وليس واشنطن وقد تزامن اللقاء مع سن الكنغرس الأمريكي لقانون سلام السودان!!.. وقد تزامن وجود هيلاري كلنتون في أديس أبابا مع بدء التفاوض مع قطاع الشمال، وقد كان لذلك الوجود الأثر الفعال على الوفد الذي رأسه د. نافع والذي خرج بقرارات رفضها الجميع بما فيهم د. نافع نفسه!!.. واليوم تتم دعوة نافع لزيارة واشنطن، وفي ذات الوقت يعمل الكنغرس على سن قانون سلام السودان للعام 2013م، الذي نص كما قانون سلام السودان السابق على وقف الحرب وإرساء السلام وإرساء حكم ديمقراطي في السودان، ذات الشروط التي سبقت نيفاشا وأدّت تحت الضغط إلى توقيع الاتفاقية الذي وضع سيناريوها في Csis!!!... وبمناسبة قانون سلام السودان حدّثني أحد الإخوة نقلاً عن قانونيين أمريكيين أن ذلك القانون يعارض الدستور الأمريكي وأضاف أنهم على استعداد لرفع قضية في المحاكم الأمريكية لإيقاف العمل بالقانون وإلغائه إذا تم تفويضهم من قِبل حكومة السودان، وقد تحدّثت في هذا الشأن مع شخصية كبيرة في وزارة العدل، لكنني وجدت رداً باهتاً!!.. اختيار د. نافع لزيارة أمريكا لم يأتِ بالصدفة، ففي نوفمبر الماضي زار د. نافع روسيا الاتحادية وكنت هناك بدعوة لمنبر الخريجين، وكان برفقة د. نافع وفد عالي المستوى، ناقش بجدية سبل التعاون بين البلدين، وهنا يبرز السؤال هل بدأت الولاياتالمتحدة في تغيير سياستها تجاه السودان الذي كانت ترفض مجرد زيارة لمسؤول سوداني لأمريكا؟.. الإجابة لا لقد تغير التكتيك فقط، فالنائب الأول تمت مقابلته في لندن تحت سوط قانون سلام السودان لذلك الزمن، فالإدارة وقتها كانت إدارة جمهورية متشدّدة تحمل العصا دومًا، أما التكتيك الديمقراطي فيعتمد مد الجزرة ويخبئ العصا خلف ظهره، ولكن جزرة الديمقراطية تمثلت في الدعوة «مجرد الدعوة» لزيارة أمريكا، بينما ذات قانون سلام السودان للعام 2013م قد تم تجهيزه على نار هادئة!!.. ولماذا قانون سلام السودان 2013م ألا يسري القانون السابق الذي كانت ثمرته نيفاشا؟! وسن قانون جديد بنفس الصيغة والأهداف يدل على بطلان القانون السابق، وعدم إدراجه في الدستور الأمريكي، والمعروف أن أي قانون يتم سنه يدرج ضمن مواد الدستور ويصبح ساري المفعول، فلماذا يُسنّ قانون جديد بذات التسمية وذات المواد!!.. إن السياسة الخارجية لأي بلد إنما هي انعكاس للسياسة الداخلية، وهذا ما يلمسه مبتدئ السياسة في السودان، ولست في حاجة لضرب الأمثال من قبيل مفاوضة النظام لحاملي السلاح، ومفاوضة أمريكا حاملة العصا المتمثلة في قانون سلام السودان اللا دستوري!!.. مفاوضة السودان لأمريكا غير مستعد لها، بعكس أمريكا التي أعدت العدة من تهديد ووعيد متمثلين في قانون سلام السودان الذي يتعارض مع الدستور الأمريكي!!.. والدعوة الأمريكية لا تحمل مدلولاً سياسياً بقدر ما تحمل تهديداً، وحتى أنها اختارت من تفاوض ولم تترك الحرية للنظام في اختيار من يفاوض عنه، فالسياسة الأمريكية مبنية على إستراتيجية بنيت على دراسات وتحليلات، وتنتظر النتائج بعد استدراج مراكز القوى الرافضة في النظام ووضعها في موقف لا تستطيع الخروج منه وذلك بالتهديد والوعيد!!.. حدث ذلك قبل نيفاشا وكانت النتيجة فصل الجنوب كما أرادت أمريكا، كما أن دعوة نافع لزيارة أمريكا تحمل مدلولاً آخر ويتمثّل في الزيارة الناجحة التي قام بها د. نافع لروسيا الفيدرالية، وهذه الزيارة يبدو أنها أزعجت الأمريكان كثيراً، وقد عززتها زيارة وزير الخارجية كرتي لروسيا واجتماعه مع وزير الخارجية الروسي سيرغي لاڤروڤ وهي شخصية من الوزن الثقيل في السياسة العالمية!!.. وأمريكا لا تدع الفرص تفوت دون الاستفادة منها، فالصراع داخل وخارج أروقة الحكم محتدم رغم عدم إعلانه، ومما يؤكد أن ما ذهبت إليه هو الإعلان عن المحاولة الانقلابية والتي حوكم بعض المشاركين فيها وبقي البعض الآخر، ورغم إطلاق سراح المحكومين إلا أن علامات الاستفهام ما زالت في حيرة!!.. وبدعوتها للدكتور نافع تضرب أمريكا عصفورين بحجر، أولها الجام الدكتور نافع عن بعض مواقفه المتشددة، وإضافته لمؤيدي أمريكا في النظام وفي الجانب الآخر قفل باب التعاون المثمر مع روسيا الفيدرالية وإبعادها عن السودان الذي يحتل موقعاً جيوبوليتكيًا وإستراتيجيًا في قلب إفريقيا وهذا سيتم تحقيقه بغرض اتفاقية جديدة مواصلة لتلك التي تم فرضها في نيفاشا وأثمرت عن انفصال الجنوب!!.. والموقع المميّز للسودان يؤهله للعب دور أساسي في غرب إفريقيا ومنطقة البحيرات والقرن الإفريقي وساحل البحر الأحمر، وبقاء السودان على حاله سوف يفتح الباب لروسيا على مصراعيه، لذا يجب أن يتواصل المخطط الذي بدأته نيفاشا لتفتيت السودان!!.. إضعاف التأثير الروسي على السودان يشمل كل المناطق التي ذكرت، فالبرامج التنموية الطموحة والتي تربط كل المناطق التي ذكرت كمد خط حديدي من السودان شرقاً وغرباً وجنوباً ينعش اقتصاديات كل تلك المناطق ويجعل من تداول الغذاء في تلك البلدان في متناول اليد، ويخلق وظائف حقيقية لكل سكان تلك المناطق الذين سيجدون فرص العمل في المشروعات الزراعية والسكة الحديد والصناعة التي تقوم على الزراعة..!! إن موافقة النظام على تلك الزيارة إن دلت لن تدل إلا على أمر واحد وهو تشبث البعض بالسلطة وهذا أمر خطير سيؤدي في نهاية المطاف إلى تفتيت السودان الذي بدأ بالفعل!!.. وأقول للأخ د. نافع إن قبوله الزيارة يعني وقوف السودان منفرداً الأمر الذي سيزيده ضعفاً على ضعف، وسوف يقود إلى اهتزاز موقف السودان أمام روسيا الحليف الوحيد الذي بفقدانه سنفقد كل السودان!!.. والهدف من الدعوة إتاحة فرصة للأطراف ذات النفوذ في النظام، لكسب ود أمريكا حتى لا يكون ذلك حصرياً على فئة معينة أدت دورها، ولم تعد تستطيع تقديم المزيد. فالأمر في كل مرحلة يحتاج إلى دماء جديدة!!.. وبذا يكون شر أمريكا قد عم كل النظام.. وقضى على السودان!!..وأنا أكتب هذا المقال جاءني هاتف من أم روابة يقول إن المدينة تعرّضت لعدوان غاشم من الحركة الشعبية والتي استدعي الدكتور نافع لمفاوضتها، والعدوان على أم روابة يهدد الطريق الذي يربط كردفان بالمركز وبقية انحاء السودان، فهل تعد أمريكا الأرضية للتفاوض؟!.. حدثني من اتصل بي أن العملية أدت إلى ضرب محطة الوقود وأن البنوك تم نهبها وأن السيارات التي تحمل المتمردين تتجوّل في المدينة دون أن تجد مقاومة!!.. هذه هي وسائل الضغط لغرض التفاوض الذي رتبت له أمريكا، الذي يمكن أن تجري عليه مفاوضات والوقوف هكذا؟! أمريكا تريد أن تمهد أرضية للتفاوض تضع فيها النظام في موقف الضعيف الذي لا يجد ما يستند إليه، فالموقف في الميدان هو ما يفرض أرضية التفاوض. ابتعدوا عن أمريكا.. فهي ترمي إلى تفتيت السودان!! وقد بدأت بالفعل!!..