هذه «تجارة إشارات المرور» وهي تجارة رائجة في فصل الصيف، تجارة أطفال يرسمون الصباح كئيبًا! الاشارة الحمراء تعني دائمًا «قف» الأ أنها تعنى رمزًا آخر للأطفال الباعة في إشارات المرور، يقول أن هيا الى العمل، فما إن تضاء الإشارة باللون الأحمر حتى يهرعوا صوب السيارات يعرضون سلعهم للبيع على الركاب، إنهم الباعة المتجولون الذين اتخذوا من الأستوبات سوقًا لهم. قديما كانت تلك التجارة لا تتعدى بيع الصحف والمناديل الورقية ولكنها أصبحت الآن تشمل تجارة الأدوات الكهربائية والسجادات والحقائب وأدوات المطبخ والأكسسوارات بأنواعها والنظارات والوسائد.. الخ، مهنتهم لا تخلو من مخاطر مع بعض الطرائف ممزوجة بالمشقة وأشعة الشمس الحارقة ومع ذلك هم متهمون بالمغالاة في الأسعار وعدم جودة بعض بضائعهم.. «الإنتباهة» وقفت مع عدد منهم ليحكوا لنا عن تلك المهنة وعن الصعوبات التى تواجههم وكذلك المفارقات والطرائف.. في بداية جولتنا وبأستوب مكي بأم ردمان كانت لنا وقفة مع البائع «ع» والذي رفض ذكر اسمه لظروف أسماها بالخاصة يحكي «ع» قائلاً: امتهنت هذه المهنة منذ خمس سنوات خلت وهى مهنة لا تخلو من مشاق ومتاعب وأكثر معاناتنا تتمثل عندما تضاء الإشارة الخضراء ويذهب المشترى ببضاعتنا دون دفع السعر، بعض سائقي العربات يتوقف جانبًا ونلحق به وبعضهم يلقى لك السلعة أرضًا وبعضهم لايهتم مطلقًا. ومن ذات المكان لفت انتباهي طفل لم يتجاوز العاشرة من عمره وكان يتجول بين السيارت بخفة ورشاقة وأبواق السيارت ترتفع بعد أن أضيئت الأشارة الخضراء، دنوت منه والقيت عليه التحية وسألته عن سبب عمله بهذه المهنة رغم صغر سنه فأجاب بعد توجس: اسمي أحمد وأسكن قريبًا من هنا وأعمل في العطلات الصيفية حتى أستفيد من وقت فراغي وأجمّع مبلغًا من المال أستفيد منه في أشياء مفيدة تخصني وأكثر شيء «بزعلني لمن يمشي زول بي حقي» وأضطر لمطاردته مما يعرض حياتي للخطر بين السيارات. ومن أم درمان انتقلنا الى الخرطوم وبتقاطع شارع المك نمر مع البلدية يعج المكان بالباعة المتجولين وقد اتخذوا من ظل الأشجار مخزنًا لبضائعهم وعند سؤالي لمجموعة منهم كانوا يجلسون معًا يتفيأون ظلال شجرة وريفة ولا يتجاوز عمر أكبرهم اثني عشر ربيعًا وعند سؤالي لهم عن سبب امتهانهم لهذه المهنة؟ وعن مكان إقامتهم؟ أجاب أكبرهم ويدعى محمد: كل هذه المجموعة من قرية واحدة بشرق النيل ونجتمع صباحًا بعد صلاة الصبح ونستقل الحافلات المتجهة الى الخرطوم وبوصية من أهلنا لا نعمل الا ونحن مجتمعين وإذا تعرض أحدنا لمشكلة ما نقف جميعنا معه، ولا نعمل الا في فترة العطلات الصيفية حتى نساعد أنفسنا وأهالينا من المصروفات عند بداية العام الدراسي وهنالك بعض الناس يصرون على افتعال المشكلات معنا دون مبرر ولكننا لا نأبه بهم كثيرًَا والحمد لله الربح مرضٍ وأثناء حديثي معهم أضيئت الإشارة باللون الأحمر فهرعوا جميعًا صوب السيارات ليعرضوا بضاعتهم متناسين حديثهم معي. وبعد مغادرتي لموقعهم سألني أحد سائقي السيارات بذات المكان عن سبب وقوفي مع هؤلاء الباعة فأجبته بأني في مهمة صحفية فطلب مني أن أستمع إلى افادته وأعرضها عبر الصحيفة، حيث قال: ذات مرة وأثناء عودتي من العمل وفي نهار قائط هاتفني «ناس البيت» وطلبوا مني أن أحضر معي أكوابًا لشرب الشاي وأثناء مروري بتقاطع المك نمر مع شارع مستشفى الخرطوم وجدت أحدهم يعرض عليَّ شراء «كبابي» ولم أصدق نفسي وابتعت منه دون المفاصلة في السعر نسبة لإضاءة الأستوب باللون الأخضر وعند عودتي للمنزل فرحًا بما أنجزت فوجئت بأنه ابتاعني الدستة بالضعف تمامًا مقارنة مع سعر السوق ومن يومها أحجمت عن شراء أي شيء من باعة الأستوبات.