هناك أكثر من هدف في محاولة الحركة الشعبية قطاع الشمال وفلول ما تسمى الجبهة الثورية، من التقدم شمالاً نحو العمق ومهاجمة محلية أم روابة وقراها ومدنها بولاية شمال كردفان، واحتلال مدينة أبو كرشولا في الجزء الشمالي الشرقي من ولاية جنوب كردفان وارتكاب مجازر بشعة وجرائم حرب لا مثيل لها في تاريخ الصراعات السودانية. وركزت التحليلات على الأهداف السياسية والعسكرية والانتفاشات الدعائية التي قصدت من الهجوم، دون أن يتوقفوا عند بعض الأهداف المستترة وغير المعلنة التي تسعى لها هذه المجموعات المتمردة. إذا كانت الخطة التمركز في موقع متقدم وقريب من أهداف كبرى تسهل مهاجمتها أو التقدم إلى مناطق تتجاوز حدود كردفان والنيل الابيض، فإن الأهداف الأخرى تتشكل باعتبارها عوامل مساعدة تحقق الهدف الرئيس في نهاية الأمر. ومن بين الأهداف التي تسعى لها الحركة وعملت بمجرد احتلالها أبو كرشولا على تحقيقها، ضرب التماسك الاجتماعي والروابط الأهلية والقبلية في المنطقة وامتداداتها التي تشمل كل ولاية جنوب كردفان ولا تنفصل أيضاً عن شمالها. فماذا قصدت الحركة من الإعدامات الجماعية التي تمت لرموز بلدة أبو كرشولا وما جاورها، والقتل الانتقائي والتصفية لرجال الدعوة والفقه ومن اتهمتهم بالانتماء للمؤتمر الوطني أو العاملين في المؤسسات الحكومية؟ قصدت من انتقاء رموز بعض القبائل، إحداث ردود فعل عنيفة من قبائلهم تجاه القبائل الأخرى التي ينتمي إليها عدد كبير من قوات الحركة قطاع الشمال والجبهة الثورية، وعمدت بالفعل إلى استثارة الشعور القبلي وتعبئة الشحناء والبغضاء، وقد أطل ذلك برأسه في بعض ردود الفعل القليلة التي ظهرت بين النازحين من منطقة أبو كرشولا، والتي لولا لطف الله لتطورت إلى مدى لا يمكن تصور حدوده ونهاياته!! وبرميل البارود هذا مازال قابلاً للانفجار إذا لم يتصرف الناس بحكمة وتعقل وبسرعة لإفشال هذا المخطط اللئيم الذي سيولد أحقاداً وصدامات ويشيع روح التشفي والانتقام بين المكونات السكانية للأسباب الآنفة الذكر.. ولا بد أن نذكر هنا أن هناك تفريقاً بين سكان البلدة قصد منه بذر بذرة الشقاق والخلاف، فقصدوا عدم المساس ببعض الأحياء ليس لتواطؤ بعض أهلها معهم أو تأييدهم لهم، إنما لجعلها عرضة للانتقامات إذا ما تم استرداد المدينة أو أُرغمت الحركة على الخروج مدحورة. الشيء الثاني أن قوات هؤلاء الأوباش في بلدة أبو كرشولا اتخذت كل أساليب القهر النفسي والعنف الجسدي بعد القتل الجماعي لتأديب المدنيين العزل وإهانتهم، فقد جمعت هذه القوات التي تشبه الوحوش الكاسرة كل النساء في مقر كبير في الكلية الجامعية في أبو كرشولا في «هنقر» ضخم وصنفت النساء، وتعرضت أعداد كبيرة منهن للاغتصاب والاعتداءات الجنسية، ومورس ضدهن عنف جسدي بطريقة منظمة أمام الأطفال والفتيات القاصرات وأمام ما تبقى من الرجال. وظل هدف الحركة الشعبية الأم ثم وليدتها قطاع الشمال، منذ تمدد الحرب في 1985م إلى جنوب كردفان، هو زرع الفتنة بين السكان خاصة قبائل النوبة المختلفة وإخوانهم في القبائل العربية، وإذا تم ضرب هذه الأواصر والتناغم القائم على مر العصور بين هذه المكونات السكانية يمكن تحقيق أهداف الحركة الشعبية وإغراق جنوب كردفان في أتون الحرب والنزاعات مما يسهل قضمها والإسراع بالتدخل الدولي فيها لمنع التطهير العرقي والإبادة الجماعية. لهذا كله، يجب تفويت الفرصة وعدم السماح لهذا المخطط الخبيث اللئيم أن يمر وينجح، فعلى كل قيادات جنوب كردفان وكل الحادبين على وحدة التراب الوطني وعلى السلام والاستقرار وجميع الجهات التي تعمل من أجل الوئام الأهلي والدعاة وأهل العلم والدين والفقه وأجهزة الدولة المختلفة، العمل في عدة مسارات مترافقة، من أجل احتواء الآثار المترتبة عن هذه الأحداث، وأولها التعجيل بتحرير مدينة أبو كرشولا من قبضة التمرد وإعادة أهلها لها، وتعميرها وإصلاح ما خرب فيها من منشآت، والتأهيل النفسي للذين تعرضوا لكل صنوف التعذيب والعنف، والعمل على وأد الفتنة في مهدها.