الامرأة التي استيقظت في هلع قبيل بذوغ فجر ذاك اليوم الفاجع حينما كانت آمنة مطمئنة وأطفالها الذقب فيحضنها ينتظرون في شوق ذلك المولود الجديد لينضم إلى مملكة الأسرة بعد أيام قلائل.. ولكن حينما وقعت الواقعة وأطلت الفاجعة بكل تفاصيلها ومآسيها واشتعلت الحرائق واهتزت الأرض بأصوات المتفجرات تلاشى هذا الحضن الآمن وانفض كل من كان بداخله فؤجت هذه الامرأة نفسها ودون أن تدري تفاصيل هذا الهروب أو الطريق الذي سلكته إنها تحت شجرة قصية تبتعد حوالى بضع كيلو مترات من قريتها ففاجاها المخاض فوضعت جنينها تحت هذه الشجرة خرج هذا الطفل ولكنه فاقد الحياة.. والأم غارقة في دمائها وتعاني أوجاعها وآلامها ولكن من الذي يستجيب لاستغاثتها غير إرادة الله وعونه.. والحكاية تنتهي هنا لأن الذي نقل لنا أصل الحكاية عبر الهاتف كان يقف عن قرب فانقطع التواصل معه فهو أيضًا مصاب بجزع وهلع يبحث عن شجرة أخرى يختبي تحتها.. لأن الجبهة الثورية هناك أفلحت في صناعة الموت والخوف والهروب. تلك هي إحدى أجزائنا المستديمة في بلادنا تنتهك الإنسانية بأساليب فاضحة ومطامع ذاتية فالواقع هناك في أم روابة وأبو كرشولا يستدعي التوقف والتأمل. وبمثل ما أن المسؤولية الوطنية تفرض على كل سوداني من أصحاب الضمائر الحية إدانة واستنكار هذه المجزرة اللانسانية التي وقعت أحداثها في أبو كرشولا وأم روابة فإن ذات المسؤولية تجبر الدولة بأن تعيد ترتيب الخارطة الأمنية للدولة وتجري من المراجعات بما هو كفيل لإعادة تأمين حياة المواطنين طالما أنهم مواطنون أبرياء داخل حدود هذه الدولة.. فالذي حدث في أبو كرشولا مأساة حقيقية أخطأت فيها «الجبهة الثورية» وارتكبت أفظع الجرائم ضد الإنسانية وتوهمت أن هذا السلوك العسكري والبربري سيخدم أهدافها ويحملها إلى عرش السلطة ولكنه سلوك مرفوض لدى كل سوداني فالجبهة الثورية يبدو أنها تورطت في ما أقدمت عليه وفات عليها أن تتبين الخط الفاصل ما بين معارضة الحكومة وقيادتها السياسية وبين معارضة الدولة ومؤسساتها المدنية ورعاياها الأبرياء. ليس من المنطق أن يفهم البعض أو أن يحاول اختزال مشروع الجبهة الثورية في كونه مشروعًا سياسيًا غايته إسقاط الحكومة ولكنه مشروعًا لا يخلو من الارتباطات والمكونات الأيدولوجية والفكرية الخارجية والتي تدفع بقوة في اتجاه إشعال الحرائق وقتل وتشريد الأبرياء وانتهاك الحرمات والقيم الإنسانية والعقدية وإلا كيف نفهم الهجوم الذي وقع على أحد المساجد بحجة أن المعتدين توهموا وظنوا أن هذا المسجد هو عبارة عن مخزن كبير للذخيرة ربما كان هذا المنطق مقبولاً لو أن هؤلاء المعتدين غزاء من خارج الحدود أو أنهم بل علم أو معرفة بهذه المناطق من الربوع .. سوف تغيب هذه الزاوية شهرًا كاملاً بإذن الله حتى يستريح هذا القلم قليلاً ويستجم بأرض الجزيرة في إجازة سنوية.. فقد شغلتنا المهنة كثيرًا عن فضيلة الوصل والتواصل الاجتماعي مع الأهل بالمناقل والكريمت وسنبقى معهم طيلة هذه الفترة ونخشى ألا نعود إلى «كرش الفيل» بقرار استثنائي وبالطبع سنحاول تنشيط فضيلة الاستماع باسترخاء تام لكل ما اشكل على أهلنا هناك من قضايا وهموم وموجعات.. وسيكون زميلنا الأستاذ محمد أحمد الكباشي هو المشرف المباشر على «ملف ربوع السودان».. ونلقاكم