سجلت جولة المفاوضات في أديس أبابا بين الحكومة والحركة الشعبية قطاع الشمال بقيادة ياسر عرمان يوم الجمعة 29 ابريل الفائت فشلا ذريعاً جراء التباين بين طرفيها حول اجندة التفاوض، فالملفات الحكومية تحوي التداول حول المنطقتين «جنوب كردفان والنيل الازرق»، كما انها ترى ضرورة البدء بالتفاوض حول الترتيبات الأمنية والسياسية، بينما تتمسك الحركة بمناقشة وتسوية الوضع الانساني اولاً، فضلاً عن تشددها في التفاوض انطلاقاً من رؤية قومية، وما كاد وفد السودان يصل الخرطوم مساء الجمعة إلا وكانت الجبهة الثورية بقيادة قطاع الشمال تدشن هجومها على ولايتي شمال وجنوب كردفان «أم روابة، أبو كرشولة»، وفي اليوم التالي للاحداث مباشرة خرجت بعض الصحف بعنوان عريض مفاده ان واشنطون قدمت دعوة للوفد الحكومي المفاوض للقطاع لزيارتها، معلنة عن ترتيبات تجريها للقاء غندور مع رئيس القطاع مالك عقار وفق اجندة تضعها هي. ومن جانبه اقر غندور في لقاء اذاعي بأن الدعوة قد وصلته من مسؤول غربي رفيع في اديس، محدثاً عن رفضه المبدئي للدعوة. وتبدو مبادرة واشنطون دعوة صريحة لنقل منبر التفاوض من أديس الذي تأسس تحت مظلة الاتحاد الافريقي، الذي يرعى أيضاً المفاوضات السودانية الجنوبية، وان كان الاتحاد في بعض مراحل التفاوض قد احال مسألة التفاوض مع القطاع لمجلس الامن الذي الزم الطرفين بالتفاوض عبر القرار «2046»، ولا غرابة في المحاولة الامريكية، فهي تحتضن قادة القطاع، وتهيئ لهم المقابلات مع كبار المسؤولين في الخارجية والكنغروس، كما أن واشنطون التي اقتنعت أخيراً بأن سقوط نظام الخرطوم ليس في مصلحتها، وان المعارضة ليست مؤهلة بالقدر الذي يسمح لها بادارة دفة الحكم بالبلاد، لذا فهي مشغولة بايجاد مخرج للاشكالات السودانية علي طريقتها، فالسودان من موقعه الجغرافي الحيوي الذي يربط بين شمال وجنوب افريقيا، فضلاً عن ثرواته الظاهرة من المياه والاراضي الخصبة، والثروات المعدنية الكبيرة، بما فيها اليورانيوم، يمثل اهمية كبيرة لديها. وفي الوقت نفسه فإن واشنطون لا تخفي انحيازها الواضح لكل من هو خصم للسودان، واقرب مثال لذلك مناصرتها الصارخة لمقترح الوساطة الافريقية في قضية ابيي والذي يصب بامتياز لصالح دولة الجنوب، ودعوة غندور للقاء عقار سبقتها دعوة قدمتها الخارجية الامريكية لمساعد الرئيس نافع علي نافع ومسؤولين آخرين، واشار بيان الخارجية لقبول الدعوة، واوضح ان الغرض منها إجراء مناقشات صريحة بشأن الصراعات والأزمات الإنسانية في السودان، والمعني هنا بطبيعة الحال هو المنطقتان ودارفور، اما الاوضاع الانسانية فتقودنا لمطالب قطاع الشمال التي يزعم فيها اهتمامه بالجانب الانساني من خلال طلبه بالبدء بالملف الانساني رغم جرائمه التي يندي لها الجبين في أبو كرشولا والقرى المحيطة بكادقلي، وذلك في محاولة لإعادة تجربة شريان الحياة التي رعتها المنظمات الاممية والدولية اثناء حرب الجنوب، وادت لاطالة الحرب وتشوين الحركة الشعبية بقيادة جون قرنق وفقاً للحكومة، ويبدو ان واشنطون وغيرها بعد أن افلحت في اجبار الخرطوم على مفاوضة قطاع الشمال كما صرح مدير الادارة السياسية بالقصر الجمهوري عبد الوهاب الصاوي للزميلة «الرأي العام» بقوله ان الحكومة تعرضت لضغوط شديدة لاجراء مباحثات مع قطاع الشمال، يبدو ان واشنطون بصدد النسخة الثانية من الضغوط علي الحكومة للقبول برؤية قطاع الشمال في المفاوضات لانتاج نيفاشا جديدة، خاصة أن للسودان مطلوباته لديها المتمثلة في رفعه من قائمة الدول الراعية للارهاب، وكذلك رفع الحصار الاقتصادي الذي انهك البلاد، فضلاً عن مساعدته في قضية اعفاء ديونه التي تجاوزت «40» مليار دولار، وكأن واشنطون بصدد اعادة انتاج سيناريو وعود الامس في نيفاشا بوفاء ذات المطلوبات السابقة، وربما كانت تلك الأسباب هي التي دفعت بعض عضوية الوطني بالبرلمان لرفض الدعوة باعتبارها محاولة للاحتواء ليس اكثر. وبالعودة لدعوة غندور نجده يفسر رفضه لمقابلة عقار بأن قبوله يعني فتح منبر تفاوضي جديد، وفي الواقع ليست هذه هي المرة الاولى التي تسعى فيها واشنطون مثل ذلك المسعى، فقد سبق لها أن حاولت نقل مفاوضات دارفور من الدوحة الي ارضها، فرفضت الحكومة ممثلة في مسؤولها لملف دارفور امين حسن عمر، وكان ان مضت واشنطون في مشروعها بجمع الحركات المسلحة في لقاءات شاركت فيها حركة التحرير والعدالة بعيد توقيعها اتفاق الدوحة. وغندور توقع ان تتمسك واشنطون بدعوتها، وبوجه او بآخر يعيد هذا الحديث ذكرى الوفاة الغامضة لرئيس الوزراء الإثيوبي ملس زيناوي، عقب زيارته لواشنطون، خاصة أنه كان يبدي اهتماماً كبيراً بالشأن السوداني، حتى انه وعقب اندلاع الحرب في المنطقتين اصطحب معه مالك عقار في طائرته من اديس للقاء الرئيس عمر البشير للملمة الاحداث. ويبقى أن واشنطون التي تسعى لتحقيق أجندة قطاع الشمال وفي الوقت نفسه تسعى للحيلولة دون زوال النظام بالقوة، هل ستقنع برفض غندور أم أنها ستلجأ لأشكال جديدة من الضغوط لتحقيق غاياتها.