رفض حزب المؤتمر الوطني الحاكم دعوة الإدارة الأمريكية لإقامة منبر للتفاوض مع قطاع الشمال داخل أراضي العالم الجديد ليعلن على الملأ تمسكه بمنبر العاصمة الإثيوبية أديس أبابا، وبالتالي عدم قبول أي منبر آخر للحوار مع قطاع الشمال سواء كان في العاصمة الأمريكية أو أي مكان آخر، وكان لافتاً أن رفض الوطني جاء مسبوقاً بكلمة مبدئياً – حسب حديث رئيس وفد المفاوضات من جانب الحكومة إبراهيم غندور، ما يعني إمكانية تبدل المواقف وقبول الدعوة في وقت من الأوقات. ويبدو أن واشنطن أرادت أن تنشط في الملف السودان بكلياتها لاسيما أن تلك الدعوة تأتي بالتزامن مع دعوة أخرى قدمتها الإدارة الأمريكية لقادة المؤتمر الوطني في وقت سابق لزيارة الولاياتالمتحدة خلال الأيام المقبلة، حيث سيغادر وفد الوطني بقيادة نائب رئيس الحزب نافع علي نافع والسفير أسامة فيصل المسؤول عن الملف بالإضافة إلي مسؤول العلاقات الخارجية بالحزب البروفيسور إبراهيم غندور. بينما لم يذكر حتى الآن إن كانت الدعوة التي تلقتها قيادة المؤتمر الوطني من الحزب الديمقراطي الحاكم أم من الحزب الجمهوري المعارض وتم اختزال الدعوة فقط بأنها موجهة من لدن الولاياتالمتحدةالأمريكية، كما لم يتم حتى الآن تحديد أجندة أ جدول الزيارة. ويقول المحلل السياسي علي دقاش معلقاًً على تحفظ المؤتمر الوطني حول نقل المفاوضات مع قطاع الشمال إلي الولاياتالمتحدةالأمريكية (يجب إلا تبدد الفرصة وتنصرف الحكومة لمناقشة قضايا وملفات مع الولاياتالمتحدة في الوقت الذي توجد فيه فرصة لمناقشتها في منابر أخرى). وأشار دقاش في حديثه ل(المجهر) إلي أن هناك ملفات ظلت عائقاً في العلاقة بين الحكومة وأمريكا منذ وزارة مصطفي عثمان للخارجية وحتى الآن، يجب إيلاؤها أهمية قصوى في الزيارة المرتقبة للوفد السودان الي واشنطن وأضاف: (كما أن قرار الحكومة إبقاء ملف المفاوضات مع قطاع الشمال في إطار الاتحاد الأفريقي من شانه إعطاء ثقة أكبر للآلية الأفريقية وبالتالي ضمان حياديتها). وبدأ مثيراً للتعجب اهتمام الولاياتالمتحدة المفاجئ بتحسين علاقتها مع الحزب الحاكم في الوقت الذي ظلت فيه الدولة السودانية بالحزب الحاكم ذاته لما يقارب العقدين من الزمان تلهث خلف تطبيع العلاقات مع واشنطن بما يضمن لها فك الحظر الاقتصادي الذي أنهك مفاصل اقتصاد البلد وأيضاً رفع أسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب، فيما كانت الولاياتالمتحدةالأمريكية تقابل ذلك الحراك والمساعي السودانية بفعل سنوي يتخذ صفة الآلية بتوقيع حاكم البيت الأبيض على تجديد العقوبات الاقتصادية على السودان. في الوقت الذي تسود فيه حالة من التفاؤل غير المشوب بالحذر أروقة المؤتمر الوطني الذين اعتبروا أن دعوة نائب رئيس الحزب إلي واشنطن تمثل رضاء مستتر من الإدارة الأمريكية نحو الحكومة وإنها خطوة أولي في طريق تطبيع العلاقات السياسية بين الخرطوموواشنطن، غير أن هناك من يري أن الطريق أمام التطبيع ما يزال في بدايته فقد ظلت الإدارة الأمريكية أثناء سعي الخرطوم للتطبيع والحوار معها تعلي من ثلاثة محاور أساسية وهي الإرهاب وهو الملف الأبرز والأهم لدي أمريكا ومصالحها العليا، ومحور السلام بالإضافة إلى القضايا الإنسانية وهو الشيء الذي أعاق الحوار ولم تصل الخرطوم لمبتغاها. ولاحظ مراقبون أن دعوة واشنطن لرئيس وفد الحكومة المفاوض مع قطاع الشمال جاءت متزامنه مع دعوة مماثلة لرئيس قطاع الشمال مالك عقار. إلى العاصمة الأمريكية دون أن يتم ذكر الأسباب التي من أجلها يغادر عقار إلى واشنطن وهو الذي اعتاد التواجد هناك. فيما يري متابعون أن السياسة الجديدة التي تتبعها الإدارة الأمريكية نحو السودان ممثلة في حزب المؤتمر الوطني تصب بالأساس في مصلحة واشنطن إذ إن أمريكا ترفع على الدوام في سياساتها الخارجية مبدأ مصلحة أمريكا أولاً، ومن ثم مصلحة الدول التي تسعي للتوسط في حل قضاياها، ويسود اعتقاد واسع أن النهج الذي تتبعه الآن مع حكومة الخرطوم الغرض منه الوصول إلى تسوية سلمية في ملف المنطقتين – جنوب كردفان والنيل الأزرق. ومن المؤكد أن المستفيد منها الحليف القديم والطرف الثاني في المفاوضات مع الحكومة هو الحركة الشعبية قطاع الشمال إذ لطالما احتمي قادة القطاع بالإدارة الأمريكية التي مارست مندوبتها في مجلس الأمن ضغوطاً مقدرة تمخض عنها في النهاية قرار مجلس الأمن ((2046)) الذي ألزمت بموجبه الحكومة الجلوس والتفاوض المباشر مع قطاع الشمال باعتباره قوة مؤثرة في المنطقتين. وهو القرار الصادر من مجلس الأمن الدولي لأنه يمثل الأساس، ولكن المؤتمر الوطني هو الذي يرفض الالتزام بالقرار كأساس للتفاوض، والقرار ((2046)) يتحدث عن الاتفاق الإطاري، الذي يتناول القضايا القومية وينادي بقومية الحل وشمولية الحل وليس التجزئة. الوقت الذي لم تحدد فيه الإدارة الأمريكية تاريخ زيارة نافع إلى واشنطن إلا أن مجموعات ضغط نشطت هناك تطالب الكونغرس والإدارة الأمريكية بإلغاء الزيارة. وأخيراً دعونا نسأل على ضوء هذا التفاؤل والحذر هل هذه الخطوات التي تتم بين أمريكيا والحكومة كفيلة بإصلاح ما أفسدته التقاطعات السياسية والي أي مدي ستصمد الحكومة في رفضها لإقامة منبر تفاوضي جديد مع قطاع الشمال؟. نقلاً عن صحيفة المجهر السياسي 5/5/2013م