كتبت: هادية قاسم إشتياق الكناني في نهارية رائعة ضجّت ساحة قاعة الشارقة بالخرطوم بحضور عدد كبير من المهتمين الذين ضاقت بهم الأماكن، والكل يترقب الاحتفائية بشكلها المختلف، حيث نظم معهد العلامة عبد الله الطيب للغة العربية ندوة كبرى احتفاءً ووفاءً لذكرى الأديب الناقد المربي الشاعر محمد محمد علي وهو يسجل وحدًا وأربعين عاماً على الرحيل، حيث قدم البروفيسور عبد الملك محمد عبد الرحمن ورقته التي تناول فيها «الطبيعة عند محمد محمد علي» موضحًا أن الطبيعة عنده ليست مجرد مسرح تجري على خشبته الأحداث أو إطارًا زمنيًا أو مكانياً يرصد تسلسل واقع الحياة، هي جزء من الأحداث وشخصيات المسرح.. فهو لا يرى الطبيعة الساكنة فيصورها كما يراها «كما يفعل كثير من الشعراء» وإنما رؤيته لها رؤية باطنية تجعله يعاملها معاملة الكائن الحي. اما ورقة «الوطنية والجهاد وحب مصر في شعر محمد محمد علي» فقدمها الأستاذ الأديب مصطفى عوض الله بشارة حيث أوضح أنه ربما يعد الوحيد الذي عاصر الأدباء الراحلين عن قرب، وذكر علاقته الوطيدة التي كانت تربطه بالشاعر الراحل وكيف أنهما كانا يلتقيان في جلسات أنس وأدب، وتناول شجاعته مضيفًا أنه في العام 1946م حينما سافر وفد سياسي لأول مرة خارج السودان فوقف محمد محمد علي أمام الوفد ملقياً قصيدة رمزية مطلعها لا قيد بعد اليوم. أما الأستاذ أبو عاقلة إدريس فقد قدم ورقته «نظرات في التجربة النقدية لمحمد محمد علي» موضحًا أن الراحل المقيم قد نقد الوقوف على الأطلال، وفي جريدة الثورة 1946 قدم «ليست الجاهلية كما يتصورون». وقد ثبت الأستاذ السموأل خلف الله وزير الثقافة التزام وزارته بإعادة طبع المجموعة الكاملة لدواوين الشاعر محمد محمد علي وما كتبه نثراً، لأن ذلك يعتبر وفاءً له ولإثراء حياتنا الثقافية، كما أبدى السيد الوزير تعاونه مع ندوة العلامة عبد الله الطيب لطباعة كل الأوراق العلمية والثقافية والأدبية التي درج على تقديمها المعهد والتي بلغت «295» ندوة، وقد ختم حديثه بوعده والتزامه بتقديم الدعم المادي والمعنوي لمعهد العلامة بجانب إحياء ذكرى البروفيسور عبد الله الطيب كل ستة أشهر من كل عام. وقد جاء حديث البروفيسور الحبر يوسف نور الدائم سلساً وهو يشرح كيفية الخطب خاصة السياسية التي كان يلقيها الشاعر فيطلق صوته الجهير، أما إذا تحدث عن الطبيعة فنجد منه حلو الانسياق، وأضاف أن نقده كان جارحاً لا يعرف المجاملة، ووصف إعجابه بالشاعر محمد سعيد العباسي. اللسان العربي.. هُوية وثقافة كما استضاف المعهد الأستاذ الدكتور إبراهيم الخولي متحدثًا عن اللسان العربي .. هُوية وثقافة في ندوة علمية جمعت علماء اللغة العربية بجامعة الخرطوم وغيرها، بدأها الدكتور المتمكِّن الصديق عمر الصديق معلناً تواضعه الملحوظ، أما الأستاذ الكبير الخولي، فقد أوضح في مجمل حديثه أن اللغة العربية ظلت أمام اخواتها كالعبرية والسريالية قوية، وهي لسان أممي جعلها الله للناس كافة، وأن كثيرًا من الناس لا يعرفون أن العدو يدرك قيمة العربية، فإسرائيل كانت تستعين بالعربية حينما لا تجد بالعبرية مفردات تدل على ما يريدون، وتأسف الصديق على بعض ما قامت به جامعات الخليج من إلغاء أقسام اللغة العربية وتحويلها إلى اقسام للغات أخرى الأمر الذي واجهه البريطانيون بالسخرية وقالوا «نعجب لأناس يلغون تدريس لغتهم ويهتمون باللغات الأخرى!!». أما البروفيسور إبراهيم الخولي فقد تناول في حديثه أن العربية لغة واللغة أعظم إنجازات البشر في تاريخ الحضارة الإنسانية، وأن اللغة بعيدًا عن المصطلحات إنما هي صورة عقلية للكون ترسم له صورة في عقل الإنسان مترابطة تصنف وتنظم فيها الأشياء، ولولا اللغة لظل العالم مفردات متناثرة لا معنى لها، كما تنفرد العربية من بين كل اللغات بأنها لغة دينية مقدسة فهي ترتبط بالقرآن الكريم وتلتحم معه، وستظل باقية ما بقي الوجود طالما بقي القرآن يُتلى ويُرتل، بجانب اختلافها عن الأخريات في علاقتها بين المجتمع وبقائه واستمراره. ويذهب الخولي إلى أن اللسان العربي إنما هو هُوية وثقافة لأن اللغة هي وعاء الثقافة والثقافة تعد الشق الروحي من الحضارة، واللغة تختزل الأفكار والقيم والمثل وغذاء العقل والروح والوجدان.. وأضاف أن وحدة الأمة لن تتحقق إلا برباط وثيق وأن الهُوية تختلف من مجتمع لآخر، ومن المفترض أن تكون للمسلمين هُوية واحدة لأن مقومات وجودنا تلخص هذه الوحدة ولأن مرجعنا هو القرآن الكريم.